بغداد – واع
تنشر وكالة الأنباء العراقية (واع) النص الكامل لكلمة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بدورتها السابعة والسبعين.
أدناه نص الكلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة،
سيادة الأمين العام للأمم المتحدة المحترم،
أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي المحترمين،
السيدات والسادة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أحييكم باسم العراق وهو إحدى الدول المؤسسة لهذه المنظمة التي تستضيفنا.
أتقدم بالتهنئة إلى السيد تشابا كوروشي لانتخابه رئيساً للدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة، وإننا على ثقة من خبرته وكفاءته في تحقيق النتائج المرجوة من هذه الدورة، وأتقدم بخالص الشكر للأمين العام للأمم المتحدة السيد أنطونيو غوتيريش لدوره الحيوي في إدارة المنظمة خلال السنوات الماضية، وكذلك في دعم ومساندة حكومة العراق، وهذا يشكل محط امتنان وتقدير دائمين لنا ولشعبنا.
السيد الرئيس،
إن العراق بلد تأريخي عميق الجذور في الذاكرة الإنسانية وهو يمثل تجربةً حيةً للأمل، وهناك التحديات الكبيرة التي تبدو صعبةً ولاسيما على مستوى الصراع السياسيّ الداخلي، ولكنْ هناك في المقابل روح الأمل لدى شعب العراق الذي يمتلك قدرة انتزاع الفرصة للحياة والتقدم والسلام من براثن الصراعات والأزمات والتحديات.
استعان العراقيون رغم صعوبة الظروف بروح الأمل تلك لمحاربة الإرهاب، والانتصار عليه بالنيابة عن العالم كله، وكانت المهمة صعبةً، وقدم شعبنا تضحيات جسيمةً ليس فقط لتحرير أراضيه من عصابات داعش الإرهابية، بل ولمنع هذه المنظمة الخطيرة من تهديد الإنسان في كل مكان، وتقويض فكرها التدميري. وأستذكر هنا الشهداء العراقيين الذين قدموا أرواحهم من أجل الدفاع عن قيم الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.
وخلال تلك الحرب العادلة، اكتسبت القوات العسكرية العراقية مهارات فريدة من نوعها في محاربة داعش، وفرض القانون، وحفظ السلام، واستفاد العراق من خبرات حلفائه في محاربته للإرهاب، مجددين شكرنا وتقديرنا لهم ونجدد دعوة حكومة جمهورية العراق إلى ضرورة الاستمرار في مواجهة ظاهرة الإرهاب الدولي والجماعات الداعمة له.
ويتطلع العراق إلى تلقي المزيد من الدعم الأممي في إعادة إعمار المناطق المحررة والمتضـررة من احتلال عصابات داعش الإرهابية، وكذلك المساعدات الأممية للاستجابة للاحتياجات الإنسانية الضـرورية الطارئة؛ لتعزيز قدرات العراق، وجهوده في إعادة بناء البنى التحتية المدمرة، بما يساعد في عودة هذه المدن وأهاليها والنازحين إلى الحياة الطبيعية من جديد.
والجدير بالذكر أن وزارات الدولة ومؤسساتها واصلت جهودها لإعادة العوائل العراقية في مخيم الهول في سوريا إلى الأراضي العراقية، وإرجاعهم إلى مناطقهم. وأود أن أشير هنا إلى أننا وضعنا برنامجاً حكومياً شاملاً لإعادة إعمار المناطق المحررة، وإصلاح البنى التحتية، وعودة آمنة وطوعية للنازحين. ونغتنم هذه المناسبة للإعراب عن بالغ شكرنا وتقديرنا للدول المانحة، والمنظمات الدولية على دعمها ومساندتها الإنسانية.
السيد الرئيس،
إن العراق يكرر من هذا المنبر دعواته لعدم استخدام أراضيه تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، أو حماية الأمن القومي لدول أخرى؛ بما يعرّض أمنه واستقراره للخطر، ويؤكد على ضرورة احترام المبادئ التي ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي والعلاقات الدولية، باحترام سيادة الدول، ومبادئ حسن الجوار، وتعزيز علاقات التعاون. وإن حكومة العراق تؤكد تمسكها بنهج يدعو إلى حل الخلافات المتراكمة عبر القنوات الدبلوماسية.
السيد الرئيس،
لا شك أن العراق، مثل بقية دول العالم تأثر بجائحة كوفيد ١٩، والتي انعكست على جميع نواحي الحياة، وأثبت أن التعاون والتضامن الدولي كانا السبيل الأنجح لمواجهة هذا الوباء، واتخذت الحكومة العراقية ومؤسساتها الوطنية العديد من التدابير الوقائية والعلاجية اللازمة للسيطرة والحد من هذا الوباء ومعالجة المصابين، وهنا أغتنم هذه المناسبة للإعراب عن بالغ تقديرنا للدول والمنظمات الدولية، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمات الإنسانية على جهودها المخلصة في التصدي للوباء، ومساعدة الدول النامية في سبيل مواجهته ومكافحته.
السيد الرئيس،
إدراكاً من حكومة جمهورية العراق بأهمية الاستحقاقات الوطنية، والحفاظ على التجربة الديمقراطية والمطالب الجماهيرية بممارسة حقوقها ديمقراطياً وحرية التعبير، فقد عملت هذه الحكومة على إقامة انتخابات نزيهة وعادلة بدعم من مجلس الأمن، والأمم المتحدة، ومنظمات دولية أخرى، وقد أشادوا بنزاهتها ومهنيتها العاليين، وأود هنا أن أقدم شكري وتقديري لجميع المنظمات والدول، ولكل من ساعد في دعم هذه الانتخابات، وأخص بالذكر المرجع الأعلى السيد السيستاني لحمايته للمسار الديمقراطي في العراق. ورغم نجاح الانتخابات، فقد عجزت القوى السياسية في الاتفاق على تشكيل الحكومة؛ مما أدى إلى خلق انسداد سياسي. ودعت حكومتي إلى حوار جاد وشفاف لجميع القوى السياسية والأحزاب المختلفة؛ لمناقشة سبل الخروج من الأزمة السياسية الحالية، سعياً من الحكومة لتلبية طموحات الشعب، والتعبير عن آماله، وتحقيق أهدافه لضمان مستقبله.
وتعمل حكومة العراق على بناء الدولة، والحفاظ على هيبتها على أسس التعايش بين مكونات الشعب العراقي كافة، مع احترام التنوع والتعدد الفكري والديني والمذهبي في ظل سيادة قيم العدالة والمساواة ومبادئها، وضمان حرية التعبير والتظاهر السلمي وحقوق الإنسان، وتقوية أجهزة إنفاذ القانون، والعمل على تعزيز إجراءات المساءلة ووقف الانتهاكات الفردية ومحاسبة مرتكبيها، والعمل على حصـر السلاح بيد الدولة، ومنع حيازته واستخدامه خارج إطار القانون ومؤسسات الدولة، والتحقيق باستخدامه ضدّ المواطنين، وأفراد القوات الأمنية، ومحاسبة المستخدمين وفق القانون، وتطبيق العدالة على الجميع.
السيد الرئيس،
يحرص العراق على أن يكون مصدر استقرار في محيطه الإقليمي والدولي، ويسعى إلى تقريب وجهات النظر، والعمل على إيجاد الحلول السلمية المستدامة للأزمات الإقليمية والخلافات بين دول المنطقة عبر طرحه العديد من المبادرات التي تهدف إلى ضمان حماية السلم والأمن في منطقتنا التي عانت الحروب والأزمات لوقت طويل، وامتداداً لهذه السياسية المتوازنة فقد استضافت بغداد العديد من الاجتماعات بين هذه الدول؛ مما يعد نتيجة للسياسة المتوازنة التي تعمل بها هذه الحكومة، وتعمل بها الدبلوماسية العراقية مع دول الجوار والعمل من أجل مصلحة جميع الأطراف بما يصب في مصلحة شعوب المنطقة التي تربطها علاقات تأريخية، وكذلك تشجيع التعاون الإقليمي، ونزع فتيل الأزمات في المنطقة.
وحظي مؤتمر بغداد للشـراكة والتعاون في شهر آب للعام الماضي، بمشاركة واسعة من قبل دول الجوار الإقليمي، والدول الشقيقة والصديقة، حيث خرج المؤتمر بتوصيات مهمة جسدت في إعلان قمة بغداد.
السيد الرئيس،
لا يخفى على الجميع أن العراق يمر بظروف مناخية صعبة بسبب شح الموارد المائية، وتغيير مجاري الأنهار التي يشترك بها مع دول الجوار، وإقامة المشاريع دون الأخذ بالحسبان تأثيراتها على الحصص المائية، والاستخدام المنصف للدول المتشاطئة، كل هذه الظروف مجتمعةً أدت بالعراق ليصبح خامس أكثر البلدان هشاشةً تجاه التغيّرات المناخية؛ مما أدى مؤخراً إلى جفاف معظم مناطق أهوار العراق، وتضـرّر سبل العيش لمئات الأسر الريفية في الأهوار العراقية، التي تعدّ محميات طبيعيةً ضمن قائمة التراث العالمي، والتي أدت إلى زيادة نسبة التصحر، والنزوح الداخلي؛ بسبب عوامل الطبيعة، وإلى فقدان مصادر العيش للعديد من العوائل، وأدت أيضاً إلى تقليل نسبة الأراضي الزراعية. ندعو جميع دول المنطقة للحوار لحل القضايا المائية وفق القوانين والاتفاقيات الدولية.
إن العراق بلد نفطي شارك في انتعاش الاقتصاد العالمي وتطوره منذ بدايات القرن العشرين، وهو إن كان يعاني من تغيّرات المناخ فهو سيعاني كذلك من كل التدابير التي ستؤخذ لمعالجة هذه الظاهرة التي ستقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري. رغم ذلك، قد عملت هذه الحكومة على مشاريع استراتيجية مهمة في مجال الطاقة النظيفة، واستخراج الغاز المصاحب، والمجالات الأخرى المرتبطة بالاقتصاد الأخضر. وهذا يتطلب الدعم الدولي بمختلف مجالاته لمساندة جهوده ولتمكينه من المضـي قدماً في تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الوطنية في جانبي التخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي والتكيف معها.
وعلى خط مواز، لم نغفل عن ضرورة تطوير قطاع التعليم والثقافة. فقد وضعنا تنفيذ أهداف الاستراتيجية الوطنية للتربية والتعليم العام والعالي لسنة 2030، على رأس أولوياتنا، وأهم تلك الأهداف زيادة معدل الالتحاق بالمدارس ليصل إلى (100%) والارتقاء بجودة التعليم العام والعالي، وتطوير التقنيات وتكنولوجيا التعليم، وتعزيز المهارات وفق متطلبات سوق العمل والتنمية الاقتصادية. وقد أطلقنا المبادرة الوطنية لتنمية الطفولة المبكرة، التي تغطي مدة ١٠ سنوات؛ بهدف تقليص نسبة الأمية في مجتمعنا، وتوفّر البيئة التعليمية الملائمة لأطفالنا، ولاسيما أن شرائح عدةً تعاني من تداعيات حروب ومواجهات وفساد، ضربت أسس القطاع التعليمي. وقد شرعنا بحملة لبناء مئات المدراس في مختلف المحافظات بعد أن عانت من نقص كبير خلال العقود الماضية، فضلاً عن تسهيل مهامّ لبناء الجامعات والكليات.
السيد الرئيس،
نؤكد موقف العراق الثابت تجاه القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه المشـروعة، واحترام الوضع التاريخي لمدينة القدس ومقدساتها. وفي الوقت الذي نؤكد فيه على حرصنا على وحدة الأراضي السورية وسلامتها، ندعم إجراء المحادثات السياسية بين الأطراف السورية كافة، ودعم جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
يشاطر العراق دول العالم، بأن الأزمات والحروب الإقليمية تنعكس نتائجها على جميع دول العالم، وأن الشعوب دائماً تدفع الثـمن لهذه الحروب، حيث تؤثر على جميع نواحي الحياة ولاسيما إمدادات الطاقة، والغذاء، وانعدام الأمن؛ وعليه نؤكد على ضرورة إيجاد الحلول السلمية المستدامة للأزمات الإقليمية والدولية عن طريق الحوار، وعدم اللجوء إلى استخدام القوة حفاظاً على السلم والأمن الدوليين، وإنقاذ الاقتصاد العالمي والبشـرية من تداعيات هذه الحروب.
وفي الختام، فإن التحديات التي تواجه بلدي العراق اليوم إنما هي نتيجة لتراكمات طويلة نعمل على تفكيكها وأملنا بتطلّع مجتمعنا الذي يشكل الشباب الجزء الأكبر منه نحو التمسك بالديمقراطية والدفاع عنها، باعتبارها نمط حياة وآليات للحكم الرشيد. إن تجربتنا الديمقراطية الفتية ما تزال تتحلى بروح الشجاعة والأمل وهي بحاجة إلى تفهّم ومساندة المجتمع الدولي؛ من أجل استمرار بناء الدولة المعاصرة وإعادة الإعمار، وتوفير الخدمات وبناء البنى التحتية التي دمرتها الحروب. نؤمن بضرورة الاستثمار بالإنسان، والعمل على تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، بالتعاون والشراكة الشاملة مع جوارنا الإقليمي والمجتمع الدولي.
شكراً جزيلاً
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته