البصرة- صفاء ذياب
لم ينتهِ حب الشاعر الغنائي علي العضب من حب البصرة، فحياته كلّها كرّسها لهذه المدينة، ولانتمائه لها، على الرغم من كل ما مرَّ به من سجون واعتقالات وتهجير، غير أنه يرى أن مدينته لم يُخلق مثلها، لهذا بقي مدافعاً عنها حتى رحيله.
حياة العضب
ولد الشاعر علي العضب في البصرة 1945، وتخرّج في كلية التجارة العام 1968، الذي شهد تحوّلاً مهماً في حياته، بعد اتجاهه للمسرح، ولاسيّما المسرح الغنائي، فكان من مؤسسي فرقة المسرح الفني الحديث، ونادي الفنون في البصرة.
للعضب العديد من القصائد الشعبية التي نشرت في الصحف والمجلات العراقية منذ منتصف الستينيات حتى صدور أعماله الشعرية الكاملة من مؤسسة آنو للفنون العام الماضي، فكتب العديد من الأغاني التي سجلت في الإذاعة والتلفزيون، مثل: (يابو بلم عشاري، ماجنك هذاك انت، الله شحلات العمر يا سمره، كهرب يخلال عجيراوي، مكبعه وسنمضي) وغيرها العشرات من الأغاني.
كما شارك العضب في مهرجان برلين العاشر للشبيبة الديمقراطية وساهم مع الوفد في أغنية (يا شبيبة توحدي).
فن الأوبريت
قدّم عدداً من الأوبريتات التي كانت رائدة في مجالها بالمسرح الغنائي العراقي، فكان سبّاقاً لإدخال هذا الفن في ستينيات القرن الماضي، على الرغم من اشتهاره في بلدان أخرى سابقاً، لكن على المستوى المحلي كان سبق الريادة للعضب نفسه، فكتب عدّة أوبريتات، من أهمها أوبريت (بيادر خير) بالمشاركة مع فناني البصرة، وأوبريت (المطرقة)، و(المعيبر شنان)، و(انت باجر وانت امس) مشاركةً مع الشاعر فالح حسون الدراجي، فضلاً عن تأليفه مسرحية (الأموات يعدلون).
ويقول الشاعر عبد السادة البصري عن فن الأوبريت لدى العضب:
"من منّا لا يتذكّر أول أوبريت غنائي عراقي، قدّمه فنّانو البصرة أواخر ستينيات القرن الماضي (بيادر خير) وفؤاد سالم وشوقية العطار وهما يغنيان (يا عشكنه فرحة الطير اليرد لعشوشه عصاري) وغيرها، بالوقت الذي لم يكن الأوبريت (المسرح الغنائي) معمولاً به في العراق برغم تقديمه في مصر ولبنان من قبل فرق كبيرة ومطربين وشعراء وملحنين معروفين، إلا ّ في أواخر ستينيات القرن الماضي حينما قدّم الشاعر (علي العضب) مع عدد من أصدقائه وزملائه من فناني البصرة، ومنهم (ياسين االنصير، خالد الخشان، حميد البصري، قصي البصري، طالب غالي، فؤاد سالم، وغيرهم) أوبريت (بيادر خير) لتكون بادرة السبق للبصرة، وتمتد كتجربة مسرحية جديدة إلى عموم العراق. ومن بيادر خير ظهر فؤاد سالم كمطرب ليسجّل اسمه على صفحات التاريخ".
وفي حديث للعضب في إحدى الاحتفاليات التي أقيمت له، قال العضب إنَّ "العمل في أوبريت (بيادر خير) لم يكن ثقافياً فحسب، وإنّما يعد نضالاً ضد الديكتاتورية، مشيراً إلى "أنَّهم كانوا مراقبين طيلة ستة شهور وهي مدة العمل، وبرغم استهدافهم إلاً أنهم تحدّوا الظروف وانجزوا العمل في عدّة أماكن، مرَّةً في مدرسة أو فوق السطح أو نادي الفنون حتى تم الانتهاء منه".
وأضاف أنَّ "وزارة الثقافة آنذاك في عام 1970 لم تكن تستطيع تقديم عمل مسرحي غنائي لمدّة عشر دقائق، في حين قدّموا على قاعة الخلد مسرحاً غنائياً لمدّة ساعة ونصف الساعة، ومن دون تمويل أو ميزانية، ولم يكن لدينا كادر نسائي، فأتينا بنسائنا وقلنا لهن إنّنا في تظاهرة تتحدّى السلطة".
وكتب عن العضب العديد من النقّاد والفنانين، منهم الأستاذ الدكتور طارق العذاري الذي قال: "إنَّ العضب رفد الحركة الفنية العراقية بالعديد من الأوبريتات منها (بيادر خير) و(المطرقة) و(معيبر شنان) كلّها تحكي عن نضالات الطبقة العاملة والشبيبة العراقية للنضال من أجل حياة حرة سعيدة".
ويشير الدكتور مجيد حميد الجبوري إلى أن "العضب علم من أعلام البصرة الذين أرّخوا المدينة بإبداعهم في كتابته مئات القصائد الوجدانية والسياسية والغنائية والمطوّلات الشعرية والعديد من الأوبريتات منذ ستينيات القرن الماضي حتّى يومنا هذا".
في حين بيّن الدكتور عبد الستار عبد ثابت أنَّ "العضب ناشط شيوعي كتب الأغنية السياسية التي تمجّد النضال والثورة وبالإضافة إلى أغانيه السياسية كتب أيضاً الأغنية العاطفية التي تذوب شوقاً في حلاوة بوحها الوجداني الفاتن مثل (يا بو بلم عشاري) (الله شحلاة العمر يا سمرة) (ما ظنك) (كهرب يا خلال عجيراوي)".
وبحسب الأستاذ الدكتور عبد الكريم عبود، فبالرغم من مصاعب الدرب وعثرات الزمن المرّة التي عانى منها شاعرنا العضب في سفره الطويل من مطاردات واعتقالات والغربة والوحدة، إلّا أنّه لم يتخلَّ عن فكره وموقفه السياسي وانتمائه.
في حين أكّد الكاتب جاسم المطير: "في مدينتي مدينة الأجيال الإبداعية المتعاقبة من زمن الفراهيدي والجاحظ وابن عطاء والأصمعي وجدت ثلاثة أشياء تضيء كلّ طرف من أطرافها: النخل والماء والشعر ذي العطر الاثير وفي العصر الحديث حملت البصرة إضاءتين جديدتين هما النفط والشاعر الشعبي علي العضب".