الكاردينال لويس روفائيل ساكو
من المفترض أن تكون الأحداث التاريخية مناسبات للوعي المتعمق في حيثياتها، ومسار نتائجها، لتغدو حافزاً لمعالجة افرازات تلك الأحداث… على أن هذا لم يعد مألوفا في بلداننا الشرق الأوسطية. هكذا فإن استذكار المسيحيين لثماني سنوات (7 آب 2014) على تهجيرهم من الموصل، وبلدات سهل نينوى، بدل أن ينعش فيهم الزخم الوطني والأمل نحو الأفضل، إذا به، للأسف، يُكبّر وجعهم ويزيد قلقلهم ويخيّب أملهم. فثمة مؤشرات تفتقد إلى الحد الأدنى من حقوق المواطنة والانسانية، بنحو يصعب تصديقه، فلا يزال لحدّ اليوم عدد من بيوتهم بيد المستحوذين عليها في المركز فضلاً عن انتهاك الحقوق والمهَانة والإقصاء في موضوع التوظيف والرعاية والتمثيل الدستوري في البرلمان! وعند مراجعتنا للمسؤولين نحصل على وعود لا تُفعّل.
ولا يقتصر الحال على المركز، لأنه في الإقليم أيضاً، بالرغم من استقبال حكومة كردستان مشكورة الآف المهجرين وفتح أبوابها لهم، إلا أن بعض الجهات لا تزال تستحوذ على عقارات المسيحيين في عدة مناطق كبلدة عينكاوا، وقرية هزار جوت (قضاء عقرة)، وقرية برده رش (قضاء العمادية)، فالإجراءات اللازمة لحلها لم تتم حتى اليوم، رغم متابعتنا.
السؤال المطروح اليوم في مثل هذه المناسبة: هل ستتغير النظرة الى المسيحيين؟ هل سيتم الاعتراف بهم كمواطنين متساوين، وهم يشكّلون ثاني ديانة سماوية في العراق؟ هل سيُنصَفون بعد كل هذه المضايقات والانتهاكات؟ هل أن مشروع الإصلاحات السياسية والتشريعية والمؤسساتية التي دعت إليها كتلة سماحة السيد مقتدى الصدر وحكومة إقليم كردستان، وكتل أخرى ستشمل المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين، سكان البلاد الأصليين الذين ولاؤهم للعراق، حتى الذين تركوه مرغمين…
إننا ومن خلال موقع مسؤوليتنا، نأمل بروح وطنية مشتركة، أن يلتزم الإصلاحيون بدعواتهم ويوفوا بوعودهم لكي يغدوَ العراق واحةً للسلام والاستقرار والعدالة الاجتماعية والتعددية، بحيث يعيش جميع المواطنين كأخوة متنوعين بأمان وكرامة وحرية، كما دعا البابا فرنسيس في خطاباته أثناء زيارته للعراق 5-8 اذار 2021.
يبقى الأملُ حيًّا لديهم في أن يحصلوا على حقوقهم المغتصبة أي أن تنصفهم الحكومة القادمة والدستور وقوانين الأحوال الشخصية التي تحتاج الى التغيير، فتحد من نزيف هجرتهم.
في شهر تموز الماضي هاجرت 30 عائلة من بلدة قره قوش في قضاء الحمدانية وحدها.
وأخيراً، نتمنى أن يشمل الإصلاح ترسيخ القيم الوطنية لدى وعّاظ المنابر، كذلك إصلاح البرامج التعليمية في المدارس من خلال عرض ايجابي للديانات ورفع فقرات الاساءة اليها، فالعيش المشترك المتناغم يتطلب الاحترام كحق إنساني ووطني.إن الكنيسة ستستمر بكل قواها في الوقوف الى جانب المظلومين والمحتاجين والدفاع عنهم ومد يد المساعدة للتخفيف عن معاناتهم، كما فعلت اثناء فاجعة التهجير، وبعد تحرير مناطقهم من خلال اصلاح البيوت والمدارس والكنائس والرعاية الروحية والاجتماعية في بلدات سهل نينوى وغيرها. ناهيك عن مساعدتها المستمرة للمواطنين الآخرين بواسطة أخوية المحبة والكنائس القريبة منهم بغضّ النظر عن انتماءاتهم.