عمار عبد الخالق
يعد فيلم "الأميرة والنهر" أول فيلم أنيميشن عربي طويل، وانقطع رأس السينما لفترة طويلة بعده، وعادت تجارب شبابية تحاول صناعة أنيميشن في العراق ينافس العالم العربي بالحركة والتطور داخل لعبة التكنولوجيا الحديثة لاكتشاف مسار بصري يفتح أفقاً أكثر شمولية في أحداث العمل، بالمتابعة المستمرة والرغبة الكبيرة في تحقيق النجاح والانتشار والمحاكاة بفهم المقاييس الفنية بين المتلقي والصناعة العامة بالأفلام، من خلال قراءة الرؤية العربية والتجارب السابقة واللاحقة، ماذا تعمل وكيف تعد صناعة أفلام الأنيميشن بطرح أفكار جديدة وإشارات ثقافية وفنية ومجتمعية في آن واحد، وأصبح ثاني فيلم طويل عراقي "كلكامش العظيم" بطول 20 دقيقة بعد 39 عاماً عن الفيلم الأول للمخرج الشاب أنس الموسوي، أما الأعمال الأخيرة فلا يتجاوز طولها أكثر من 10 دقائق. ومن أجل هذا تم طرح سؤال على نخبة من المخرجين وصناع محتوى الأنيميشن لمعرفة كيف يجدون الأنيميشن العراقي في الواقع السينمائي المعاصر؟.
ابتكار
أكد المخرج والناقد السينمائي سعد نعمة، أن صناعة الأنيميشن صناعة صعبة سواء بالفكرة والسيناريو أو التنفيذ، وتحتاج إلى خبرة وإبداع وابتكار في الأسلوب. إضافة إلى ذلك تحتاج إلى ميزانية كبيرة قياساً إلى قصر تلك الأفلام، فما بالك لو كان الفيلم متوسط الطول أو طويلا، وبسبب كل ذلك فإن حضور صناعة فيلم الانيميشن في الوسط السينمائي خجول ولا يتعدى صناعه عدد أصابع اليد الواحدة.
وأضاف نعمة: ربما هناك من يتحايل في تنفيذ هذه الأفلام بالقوالب والبرامج الجاهزة لتقليل التكاليف وسرعة الإنجاز، لكنه يبقى دون المستوى وضمن الإطار التجاري الخالي من الأصالة والإبداع.
فن حديث
وعبَّر صانع الأفلام محمد سليم، عن أن الانيميشن يعتبر فناً حديثاً في السينما العراقية بعد أن كان محتكراً من دول أخرى أكثر تطوراً في هذا المجال ولكن نتيجة التكنولوجيا الحديثة والتطور الحاصل في مجال السينما وعالم البرمجيات الحديثة التي بسطت وأتاحت هذا الفن أصبح من الممكن صناعته واستثماره في العراق، وهذا لا يدل على بساطة هذا الفن، لأنه يعتمد على محصلة مجموعة الخبرات في اختصاصات فنية مختلفة مثل الإخراج والتصوير والمونتاج وكتابة النص وترجمته، فضلا عن الغرافيك الذي يعتبر عصب هذا الفن.
وتابع سليم: الآن أصبحت لدينا محاولات ناجحة ومشاركات عالمية متميزة، إذ حصد بعض صناع هذا الفن جوائز عالمية في منافسات ومحافل دولية تختص في هذا المجال، فضلا عن المهرجانات المحلية التي أظهرت إتقان وموهبة مجموعة من الشباب والشابات في هذا المجال، وكذلك دعم دائرة السينما والمسرح مشكورة لهذا الفن الحديث من خلال احتضانها لمجموعة من الملتقيات والمهرجانات.
التقنيات الحديثة
وبيّن المخرج باقر الربيعي: تعد أفلام الأنيميشن من الأفلام المهمة، وفي الآونة الأخيرة ركز عدد من مخرجي هذا النوع من الأفلام اهتمامهم بصناعة أفلام الأنيميشن التي تحتوي على قيم جمالية ومضامين فكرية ذات بعد فلسفي عميق.
ورغم ذلك فهي اليوم جزء مهم من صناعة السينما مقارنة بصناعة الأفلام الروائية القصيرة بالتحديد، كون أفلام الأنيميشن لم تزل في طور النشوء وضمن فئة الأفلام القصيرة، ويسعى الكثير من صناع هذا النوع من الأفلام إلى مواكبة الأفلام العالمية، ولكن يبقى القيد الأكبر أمامهم هو التقنيات الحديثة المستخدمة في هذا المجال والتي تتم من خلال برامج خاصة وباهظة الكلفة، وتحتاج إلى مجموعة كبيرة من الفنيين المختصين في هذا المجال لصناعة صورة ذات جودة عالية تحاكي الصورة الواقعية من حيث التجسيم وتجسيد الأشكال والعوالم.
وأشار الربيعي إلى أنه هنا يقف العائق المادي الذي يحول بين صناع هذا النوع في العراق والذين تخصصوا بصناعة أفلام الأنيميشن، ويكون عقبة كبيرة بالنسبة لهم، فنظام الاستوديو في هوليوود وغيرها الذي يعتمد على تخصيص مبالغ طائلة في تطوير وصناعة أحدث التقنيات البرامجية التي تسهل من هذه الصناعة التي تلاقي رواجًا شائعًا وجمهورًا واسعًا لها في شباك التذاكر والذي يعود على صانعيها بالمال الوفير، عكس ما يحدث محليًا.
وأفاد الربيعي: فهنا نلاحظ أن مخرجي أفلام الأنيميشن يصنعون أفلامهم لغرض عرضها في مهرجانات عربية وعالمية ولا تعود بالنفع المادي رغم العناء المبذول في صناعتها ورغم الجهد والوقت المطلوبين لتنفيذها، فضلاً عن الأموال التي تصرف لقاء برامج خاصة وتقنيات تكلف الكثير من الأموال التي تصرف من الجيوب الخاصة لصناع هذا النوع من الأفلام، وهذا يعتمد على مرتكزين مهمين، أولهما المعاهد والجامعات التي يوجد فيها هذا الفن و شركات الإنتاج وفي العراق لا توجد مؤسسات حكومية ترعى هذا الجانب من السينما.
الرعاية
وأوضح الناقد والمخرج مصطفى الشوكي، رغم المحاولات النادرة والقليلة لصناعة أفلام الانميشن في العراق قبل عام 2003 الا أن العراق يعتبر الرائد عربيا في صناعة أول فيلم تحريك عربي طويل عام 1982 للمخرج الكبير فيصل الياسري، وباعتبار أن صناعة سينما الانيميشن تحتاج الى امكانات ورعاية كبيرة، وهي كانت شبه معدومة او مقيدة للسينما بشكل عام في فترة ما قبل 2003، إلا أنها بعد هذا التاريخ شهدت كما باقي الفنون نهضة يمكن أن نقول انها كانت بطيئة نوعا ما بسبب ظروف السنوات الأولى للتغيير، الا انها سرعان ما بدأت تأخذ مكانتها عربيا ودوليا وتحصد الجوائز.
مبيناً، بل يمكن القول ان السنوات الأربع الاخيرة بالذات شهدت نهضة عظيمة في صناعة الانميشن من خلال الانتاج والمشاركات والجوائز المهمة، بل واصبحت لدينا مهرجانات خاصة بالانميشن كما في كردستان العراق ومهرجان بابل، الذي اقامته كلية الفنون الجميلة جامعة بابل اضافة الى بعض الملتقيات وكذلك انشاء قسم خاص بصناعة الانميشن في مجموعة قنوات كربلاء الفضائية.
مضيفًا، هذه الحركة خلقها وخلقت اسماء عراقية مهمة في هذا المجال، استطاع اغلبها بجهود ذاتية من تحقيق نهضة مهمة في هذا المجال وشقت طريقها نحو الاحتراف، لكن الجهود الذاتية مهما كانت عظيمة تحتاج الى دعم و خطة مركزية من اجل النهوض في هذا الفن بشكل اكبر فالطاقات تحتاج الى احتواء في عالم يتطور بشكل هائل في هذا المجال لان دقائق قليلة من هذا الفن تعادل اكثر من ميزانية فيلم سينمائي عادي فتصور ان بعض الافلام العالمية كلفت 200 - 250 مليون درلار وربما اكثر، علما ان أرباحها تجاريا مضاعفة نتيجة للاقبال الشديد على هذا النوع من الافلام من قبل المجتمع، فهي قطعا غير محصورة بفئة الصغار، أتأمل في صناع الانيميشن العراقيين الكثير من الانجازات المبهرة قريبا، لكن تبقى المسألة تحتاج إلى احتواء ومركزية لتكون افضل وأكبر.
أفلام الواقع
وصرَّح الكاتب والمخرج أنس الموسوي بأن الرسوم المتحركة (الأنيميشن) تنقسم بحسب انعكاسها على الفن السينمائي إلى قسمين أساسيين، القسم الأول وهو بشكلها الصريح كأفلام طويلة كما نرى أفلام والت ديزني او بيكسار او غيرها، والقسم الثاني هو في الأفلام المختلطة والتي يدخل فيها الأنيميشن ببعض شخصيات أو بيئات العمل، رغم أن العمل بشكله النهائي لا يصنف كفيلم رسوم متحركة، (بعض شخصيات فيلم سيد الخواتم او فيلم افاتار أنموذجاً)، إذ يصنف هذا النوع على أنه من أفلام الواقع وبتدخل من مؤثرات بصرية أو خدع سينمائية.
وبيّن الموسوي، أما محلياً فلا وجود للقسمين بالشكل الواضح والمهم للأسف الشديد، ففي ما سبق كانت الرسوم المتحركة عبارة عن أعمال تعليمية وتربوية اقترنت بمؤسسات فنية لمرحلة ما بين السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي وأهم تلك المؤسسات هي التلفزيون التربوي العراقي وما قدمه من أعمال في هذا المجال، ومن الجدير بالذكر تجربة الأستاذ فيصل الياسري بفيلمه الطويل (الأميرة و النهر) الذي تمت صناعته آنذاك في ألمانيا الشرقية، ويعد أول فيلم رسوم متحركة عربي طويل، لكن التجربة الأولى لم تردف بنظير لها بعد ذلك و لأسباب عديدة أهمها دخول البلد في حروب و حصار اقتصادي و تردي في الوضع السياسي والذي انعكس سلباً على الواقع الفني العراقي بشكل عام وفن الرسوم المتحركة من ضمنه، أما في فترة ما بعد عام 2003 فكانت التجارب السينمائية لهذا النوع بتعقيدات من نوع مختلف، ما أدى لشح الإنتاج السينمائي بشكل عام وندرته وإن وجدت بعض الأفلام الطويلة على حساب شباك التذاكر التجارية وأهم تلك الأسباب هو عدم وجود مراكز محلية متخصصة بدعم وتطوير هذا النوع من الفنون، وعدم وجوده كمادة أكاديمية في أكاديميات ومعاهد الفنون في العراق وإن كان على مستوى التنظير على الأقل.
وأضاف الموسوي: ومن جانب آخر فإن إنتاجية أفلام الرسوم المتحركة أو شخصياتها على أفلام الواقع هي عالية جداً وتحتاج للكثير من المحترفين ذوي الأجر العالي كما هو مشاع، بالإضافة لأجهزة متخصصة وحواسيب مرتفعة الثمن ومشكلات الإنتاج ذي الجودة العالية وهو ما يعاني منه الواقع السينمائي العراقي بشكل عام، إذ إن الكلف الإنتاجية المرتفعة في الأعمال العراقية هي أمر غير متوفر للأسباب الآنفة الذكر، كما وغيرها من أسباب أخرى لا يسع المحتوى لذكرها جميعاً.
واختتم الموسوي: من هذا وذاك فما زالت عجلة فن الانيميشن السينمائي المحلي لم تتحرك أصلاً وهي لا تتجاوز واقعاً عن كونها أفلاماً قصيرة نخبوية بالغالب وبعروض محتكرة على فعاليات المهرجانات السينمائية ما جعلها غير معروفة للجمهور المحلي، كما أنها غير قادرة على منافسة الأشكال المعروفة للسينما العالمية بكونها أفلاماً طويلة مصنوعة بحرفية عالية وإنتاجيات ضخمة، وبوجود إشكاليات متنوعة تقتضي حلولاً جذرية متنوعة بالتالي لمحاولة النهوض بواقع فن الرسوم المتحركة العراقي.