ميسان - واع- شذى السوداني
كشف الفنان المغترب العراقي ستار كاووش،عن أنه سيصدر كتاباً عن رؤية الثقافة الهولندية نهاية العام الحالي،فيما بين أنه فنان تشخيصي لا يرسم لوحاته بطريقة تجريدية.
وقال الفنان المغترب العراقي ستار كاووش في حوار خاص لوكالة الأنباء العراقية (واع ): إن" اللوحات الفنية حَمَلَتْ الكثير من الشخصيات ذات التفاصيل والملامح التي أرسمها دائماً، لكن التقنية هنا هي التي تغيرت، وحين تتغير التقنية فستذهب الموضوعات الى أماكن جديدة ربما تكون قصية وبعيدة وغامضة،مبيناً: "إن في هذه اللوحات تحيط الطبيعة بكل الشخصيات وتحتضنها، فقد خرجت من الغرف والصالات والأماكن السرية التي جمعت المرأة والرجل في لحظات خاصة بلوحات سابقة، وذهبت الى أهم ملهم في تاريخ الرسم، وهي الطبيعة بكل ما تحمله من سحر وسطوة وجمال، لذا أحببتُ كثيراً هذه المناخات واسترسلتُ معها وشعرتُ فعلاً بأنني أعيش داخل هذه اللوحات، وقد تعودتُ التجول يومياً في الغابات والمزارع القريبة من مرسمي، وعند عودتي تكون قد تجمعت بين يدي ضَمَّة من أوراق الأشجار المختلفة التي التقطتها من هنا وهناك، وحين أعود وأفتح باب المرسم، أفرش هذه الوريقات على الطاولة الكبيرة للمرسم، أُقَلِّبُها وأغيِّر وضعياتها بغية ادخال شيء منها في اللوحة التي أعمل عليها،هكذا أشعر بأنني أعيش وسط لوحاتي، ولا فرقَ عندي سواء رسمتُ الغابة أو تجولتُ فيها".
وأضاف أن"الضوء بشكل عام هو روح الرسم، وحين أنظر الى ضوء الشمس الذي يتخلل أوراق هذه الأشجار، أعرف معنى الرسم،وهكذا يخترق ضوء الشمس جسد الغابة وهو يتلألأ مثل دراهم ذهبية، ويتناثر على جذوع الأشجار وعلى الأرضيات المضمخة بلون الطحالب الأخضر، وحتى بعد أن يخبو هذا الضوء قليلاً، تظل بقاياه وآثاره ملتمعة على حافات أوراق الأشجار وعلى السيقان اليانعة للعشب الذي ينتصب مرحباً بالضوء ومعانقاً له،وكل هذا أراقبه في الغابات الصغيرة التي تنتشر في مقاطعة فريسلاند التي أعيش وأرسم فيها،هكذا أحاول أن أعكس المناخ الذي أعيش فيه على لوحاتي، ومن هنا جاءت لوحات الغابة".
وتابع أن "عملي الأساسي هو الرسم، وبالنسبة للكتابة فهي الرئة الثانية التي أتنفس بها حين يغفو باليت الألوان قليلاً،والكتابة نبعت ربما من حاجة روحية أو معرفية، فأنا أكاد أن أزور متحفاً كل اسبوع أو أشاهد فعالية فنية أو ثقافية، لذلك تزدحم الكثير من التفاصيل والصور في ذهني وأحاول أن أشارك الآخرين بها، وهكذا أكتب انطباعاتي الشخصية في الغالب عما أراه،الجيد في الأمر هو أنك حين تزور متحفاً وتشاهد العروض المختلفة، تعرف أين تضع قدمك في عالم الرسم، تعرف التقنيات والوسائط والمعالجات، وتعرف قيمة لوحتك وسط كل هذا،لم أكتفِ بالكتابة باللغة العربية فقط، فأنا لديَّ عموداً ثابتاً أكتبه باللغة الهولندية في مجلة أتيليه التي تعتبر واحدة من أفضل المجلات الفنية في الأراضي المنخفضة، كذلك ترجمتُ رسائل الرسام فنسنت فان خوخ من الهولندية الى العربية، وهذه أول مرة تُترجم فيها هذه الرسائل مباشرة من لغتها الأصلية الى اللغة العربية،وكوني أرسم يومياً فالمهارات التي أمارسها في الرسم تخدمني في الكتابة عن الفن وأساليبه ومعالجاته".
وبين كاووش أن"الاغتراب سلاح ذو حدين، فهو من جانب يبعدك عن مكانك الذي تعودت عليه وتعلمت فيه وحفرت كل ذكرياتك، ومن جانب آخر فالغربة تجعل فرديتك عالية، وتمتحنك في إيجاد الحلول، حلول لحياتك ولفنك،عليك هنا -كي تعرف طريقك للنجاح- أن لا تكف عن المحاولات، ولا تتوقف عن البحث والمطاولة، والطريق ليس معبداً بالزهور دائماً،تحتاج لمن يرشدك الى الطريق حتى ولو بكلمة عابرة، أن يقف الحظ معك في حالات معينة كي تمضي بيسر مع خطواتك،لا أعتبر نفسي مقيماً في هولندا، فأنا أعيش هنا منذ سنوات طويلة جداً وصرتُ جزءاً من هذا البلد الجميل،لكن في كل الظروف وكل الأحوال فأنت لا تحصل على ما تريده كهدية مجانية، فالعالم لا يوزع الحلوى والهدايا، عليك أن تعمل وتجتهد، عليك أن تتعلم لغة البلد وتتعرف على ثقافته وتقاليده، أن تطرح نفسك كمنافس وتثق أنه بإمكانك أن تتفوق على أبناء البلد ذاتهم،لافتاً الى أن"الموهبة هي التي تحكم في النهاية، والعمل المضني يعطي ثماره في آخر الأمر ،في بداية مجيئي الى هولندا كنتُ أجمع النقود القليلة التي معي وأشتري الأعداد المستَعمَلَة من مجلة أتيليه لأنها أرخص من الجديدة، والآن أنا أكتب عموداً ثابتاً في ذات المجلة".
أما عن أقرب المدارس الفنية فقد أوضح كاووش "بشكل عام أنا فنان تشخيصي، أي لا أرسم لوحاتي بطريقة تجريدية، ويمكنك التعرف بيسر على تفاصيل لوحتي، لكنني مع ذلك لا أحاكي الطبيعة ولا أنقل الواقع مباشرة، بل أنظر الى الواقع من زاوية خاصة وأرسمه بطريقة شخصية، وأعمدُ لتحريف الأشكال هنا وهناك لضرورات فنية، أو أجرد بعض الهيئات وأضيف بعض الخطوط، وأضع ألواناً ليست بالضرورة هي ذاتها الموجودة في الطبيعة،والتعبيرية هي القريبة دائماً مني وفي كل مراحل حياتي، والفن بشكل عام أعتبره كله فناً تعبيرياً، فحين ترسم فأنتَ تعبر عن شيء ما بالألوان والخطوط ومعالجة المساحات، إذن التعبير هو الأساس في العمل الفني، والتعبيرية بالنسبة لي لا تنحصر بالمدرسة المعروفة بذات الاسم، بل إن ما قصدته يبدأ من حافة الواقعية ويمتد بعيداً نحو الانطباعية والوحشية والتكعيبية ويمضي مع الكثير من الاتجاهات حتى يحاذي التجريدية".
وعن تأثير الحضارة السومرية، والبابلية في أعماله أشار الى أن"هذه الحضارات التي مرت على الأرض، وأرى أن أعمالي فيها الكثير من التفاصيل العراقية ومناخات ألف ليلة وليلة، كذلك رسمت لوحات كثيرة تمثل أشخاصاً مجنحين وهذه استفادة واضحة من الفن العراقي القديم وخاصة الثور المجنح الشهير في الحضارة العراقية القديمة،لكنني لا أخفي أيضاً تأثري بالفن في هذا العالم الذي أعيش بين جوانحه الآن، وهكذا مثلما أدخلتُ تفاصيل وأجواء بغداد، استفدتُ كذلك من الرسم على الزجاج المعشق بالرصاص والآرت ديكو والطبيعة الساحرة، كذلك لا يمكنني سوى أن أقف باحترام لعباقرة الرسم الكبار، وأنا أتأمل لوحاتهم العظيمة في المتاحف".
وعن آخر المشاريع ومعارض الفن بين كاووش:"بالنسبة لي لدي غاليري خاص بي، يحاذي مرسمي، وهنا يزورني من يحب الإطلاع على لوحاتي أو اقتنائها، ولديَّ الكثير من المشاريع الفنية التي ستأخذ طريقها للعرض سواء في هولندا أو خارجها،وكذلك انتهيت من كتابة كتاب باللغة الهولندية، أتحدث فيه عن رؤيتي للثقافة الهولندية وتفاصيل الفن وما أراه كل يوم أمامي،متمنياً أن" يصدر الكتاب نهاية العام الحالي أو بداية السنة القادمة،مشير الى أنه"خلال أيام قليلة ستصدر سيرتي الفنية من دار الحكمة، وهي من تأليف الكاتب والباحث الجمالي خالد مطلك، وهي تتعلق بسنواتي التي عشتها ورسمتُ فيها ببغداد في الثمانينيات وبداية التسعينيات، وتتضمن أكثر من مائة لوحة ملونة من تلك الفترة".
وأضاف كاووش أن"الرسم بشكل العام سيبقى هو مشروع حياتي كلها، وهو السبب الذي أصحو من أجله كل يوم، فاتحاً نافذة المرسم وشاكراً نعمة الضوء الذي يغمرني ويغمر المرسم واللوحات وكل شيء حولي،موضحا:"ليست هناك فلسفة محددة أو خاصة، فأنا أتوجه الى المرسم كل صباح، ولا أعرف النتائج التي سأحصل عليها، أجرب هنا وهناك، أضيف بقعة لون في هذا الجانب من اللوحة وأضع بضعة خطوط في جانبها الآخر، أضيء هذه الزاوية وأعتم تلك المساحة، أغيِّرُ هنا وأمحو هناك،وبعدَ الكثير من التعديلات وسط هذه المغامرة، تأتي النتائج، وعادة تكون ليست مرضية تماماً، لأعودُ من جديد منغمساً في مناخ اللوحة وتقنياتها."،ربما أبدأ بتخطيط صغير يكون أساساً للوحتي، لكني أثناء الرسم أذهب بعيداً ولم يبق من التخطيط الأول تفاصيل كثيرة،والأمر يشبه عازفي الجاز الذين تعودوا على عزف الموسيقى دون نوتة موسيقية، بل يبتكرون النغمات وقت العزف ويتماهـون مع تدرجات صوت آلاتهم الموسيقية بشكل مرتجل، لتخرج معزوفاتهم تشبههم تماماً لأنها جزء من أرواحهم،والفلسفة الوحيدة في الرسم هي أن تذهب الى المرسم لترسم لوحة جديدة، وكل شي غير ذلك ليس كافياً ولا ثابتاً بالنسبة لي، وحتى لو أحببنا الرسم وعشقناه تماماً فهذا ايضاً ليس كافياً ولا يجعلنا فنانين، لأن اللوحة تشبه امرأة جميلة وحانية، فلا تحدثها عن الفلسفة ولا تشرح لها كيف إنك تحبها، بل أعرف الطريق الى قلبها أولاً".
وعن المشاركة العالمية التى حققها أوضح كاووش:"لا أُسمي ذلك عالمية، بقدر ما كوني موجود وأعرض لوحاتي في أكثر من مدينة ومكان،فالفن الآن مفتوح على كل الجهات، وأنت كفنان واجبك أن تكافح لتجد لك منطقة تقف عليها، تجتهد كي تفتح نافذة خاصة بك، تتعب كي تجد من يحب أعمالك ويشير إليها،تحاول هنا وهناك لتعكس صورة جيدة عن نفسك وعن بلدك الذي جئتِ منه،في المعارض الهولندية عادة ما يتحدث الفنان للجمهور قبيل الافتتاح بدقائق عن أعماله وتقنياته وبعض التفاصيل المتعلقة بعمله، ثم يبدأ المعرض،وفي كل المعارض التي أقمتها، أتحدث وأذكر العراق وبغداد والمكان الذي جئت منه، العالمية بالنسبة لي هي أن أذكر بغداد وأشير لبلدي بمحبة ولو من بعيد،وأحياناً لا أكتفي بذلك، حتى إنَّ واحداً من معارضي الأخيرة - والذي أقمته في غاليري لافاي- كان عنوانه (بغداد في الشمال)، لأني استحضرت بغداد لشمال العالم حيث هولندا التي أعيش فيها،لذلك أُشَبِّهُ نفسي عادة بشجرة جذورها ثابتة في بغداد وأوراقها تزهر في هولندا".