حسب الله يحيى
لم يتوقف العراقيون عند مقررات (قمة جدة للأمن والتنمية)، إلا بما يتعلق بأمور حياتهم اليومية، وعلى وجه الخصوص أزمة الكهرباء، التي يعاني منها العراقيون منذ عام 2003 وحتى الآن على الرغم من هدر مئات المليارات من الدولارات لحل هذه الأزمة من دون جدوى
ومع أن العراق قد وقع عقوداً واتفاقيات مع شركتين إحداهما المانية وأخرى أميركية في عام 2018، إلا أن الأزمة ما زالت قائمة, وعلى الرغم من أن العراق يحرق غازه ويلحق بنفسه الخسائر المادية ويستورد الغاز من الخارج في معادلة ليست معقولة، ولا يمكن أن يحتكم إليها العقل؛ نجده يستورد الغاز والكهرباء من إيران ويرهق نفسه بالكثير من الديون بهذا الشأن مثلما يترك لأصحاب المولدات الكهربائية أن يتحكموا في حياة المواطن.
وجاء الاهتمام بقمة جدة في نقطة تتعلق بربط شبكة الكهرباء العراقية مع دول مجلس التعاون الخليجي، بينما قد تتغير الأمور ويصبح واقع هذه الأزمة قد تمَّ حل بعض عقده, إلا أن العقدة الأكبر والأكثر إثارة للانتباه والتساؤل. لماذا لم تتم المساعدة على تمكين العراق من بناء صناعة كهربائية وطنية على وفق المواصفات الحديثة، والتي باتت الكهرباء فيها من المشكلات السهلة والبسيطة والقابلة للحل، وأنها أمرُ لا يمكن أن يستعصي على من يمتلك قرار
الإنجاز .
صحيح أن المواطن يسعده أن يقول عن الطاقة الكهربائية التي تصله من خارج عمل المولدات بأنها (كهرباء وطنية)، إلا أنها في واقع الامر ليست (وطنية)، وانما هي طاقة مستوردة من الخارج سواء من إيران أو من مجلس التعاون الخليجي، لأن الاستيراد معناه أن العراق غير قادر على إنتاج كهربائه الوطني بنفسه؛ بل هو يعتمد على دول أخرى تصنع له كهرباءه مثلما تصنع له غذاءه وأدواته ودواءه، وتضخها اليه مقابل المال وليس مجاناً من أجل سواد عيون
العراقيين .
في حين كنا ننتظر من الحكومات التي توالت على ادارة الحكم في العراق لمعالجة أزمة الكهرباء التي باتت شأنا نادر الحدوث في العالم، خاصة أن العراق يملك كل مقومات إنتاج الكهرباء بسبب توفر النفط والغاز في البلاد .
أما الاتكاء على الخارج وهدر الأموال على الاستراد تارة وعلى الاتفاقات الورقية التي شكل الفساد علامة متميزة فيها, فإن مآلها الفشل الدائم، ومن ثم العيش في الظلام والاعتماد على من يضيء لنا شمعة في ظل هذا الظلام الدامس الذي يحيط بنا , في حين تتكئ الطبقة الحاكمة على مليارات الدولارات التي تنفق على مشاريع وهمية لا تكون الكهرباء إلا شكلا من أشكالها التضليلية، التي تتراكم فيها الاخفاقات سنة بعد أخرى. وإلا هل يصدق أحد في الكون أن العراق يعاني من أزمة كهرباء على مدى عقدين من الزمن، من دون أن يجد حلا منطقيا مقبولا؟
إن الطاقة الكهربائية العراقية التي كانت تصل الى جميع القرى والقصبات في اقصى المدن، والتي تم تدميرها في حرب الخليج، يمكن أن تستعاد اذا ما وضعت الأمور امام التصميم الناجز وبالاعتماد على الكفاءات والخبرات الوطنية النزيهة، وليس على نصب أعمدة كهربائية جديدة في الشوارع خالية من الإضاءة !
الامر ليس بالمستحيل وغير القابل للانجاز, فالكهرباء باتت ضرورة كالماء والهواء والدواء، ولا يمكن للإنسان أن يتخلى عن هذه الطاقة في هذا الزمن العراقي العصي على أهله .
إن كهرباء وطنية يمكن أن يشهدها العراق وهي ما ننتظرها وندعو لإنجازها وليس على وفق استيرادها من هنا وهناك .
لا علينا من الوعود التي أثبت الواقع عدم ترجمتها الى حقيقة قائمة، وانما ندعو بثقة عالية إلى إيجاد صناعة كهرباء عراقية مرتقبة، فهناك حاجة بالعراق أن يظل مضيئا.