د. بشار عليوي
لقد عشقَ الناقد المسرحي العربي الكبير أ. د. حسن عطية، العراق وشعبهِ انطلاقاً من عروبيتهِ الصميميَّة حينما كانتْ لهُ محطات مهمة مع المسرح العراقي، إذ لا يمكن لأي باحث أن يتصدى للكتابةِ عن النقد المسرحي العربي من دون المرور على تجربة الناقد المسرحي الأكاديمي المصري الراحل الأستاذ الدكتور حسن عطية التي امتدت لأكثر من خمسين عاماً، بدأها في النشر بالصحف والمجلات المحليّة ومن ثم العربية، ونشر فيما بعد عدد من الدراسات الأكاديمية النقدية والكتب التي درست المسرح، وعالجت قضايا المجتمع، فهوَ الناقد الذي يكاد يكون الوحيد في عموم العالم العربي المُتفرّد بوصفهِ جامع لصنعة النقد المسرحي والسينمائي بذات التَمَكُنْ، وقد توزعتْ دائرة اهتمامه النقدي على وفق ثلاثة محاور رئيسة وهي: المسرح والسينما والفنون الشعبيّة، فكتب فيهما أكثر من (250) مقالة نقديّة و(25) كتاباً منشوراً في عدد من الدول الأجنبية والعربية وفي طليعتها العراق، فهوَ ناقد مسرحي وصحفي وناقد أدبي وفني وأكاديمي ولد بمدينة القاهرة 1948 وتوفي فيها يوم 28 تموز/ يوليو 2020 بسبب مرض عضال.
إنَّ علاقته الوطيدة والعميقة مع العراق وشعبه وفنانيه ومُثقفيه، قد بدأت قبل خمسة عقود حينما اختار بغداد لينشر فيها أول دراسة نقدية له كانت بعنوان (السينما السياسية والسينما الثورية)، في مجلة (الأقلام) العراقية في تموز 1973، لتربطهُ لاحقاً وفي صور شتى، علاقات وطيدة بالمسرحيين العراقيين من خلال الاهتمام بتجاربهم لا سيما اهتمامه الكبير بمسرح الصورة ورائدهُ الفنان المُخرج العراقي د. صلاح القصب، حينما راحَ يعرفَ بهِ من خلال نقوداتهِ، فضلاً عن إعطائهِ كمُقرر دراسي لطلبة الفنون المسرحيّة في أكاديمية الفنون المصريّة، واستمرت علاقته بالمسرح العراقي مواكباً لعروضهِ التي كانَ يُقدمها المسرحيون العراقيون في المهرجانات المسرحية الدولية داخل وخارج مصر، إذ يُعد أكثر النقاد المسرحيين المصريين غزارةً لناحية الكتابة عن عروض المسرح العراقي ورجالاتهِ، ولهُ الفضل في كتابة وعقد اتفاقية ثقافية بين أكاديمية الفنون المصرية في القاهرة وكلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة العراقية داخل مبنى الأكاديمية في القاهرة، وكانتْ لهُ مشاركة فاعلة في مهرجان دربنديخان الدولي لمسرح الشارع في مدينة دربنديخان باقليم كوردستان العراق، في شهر تشرين الأول 2012 وكتبَ عن عروض هذا المهرجان. وحضر الى كلية الفنون الجميلة بجامعة البصرة، رئيساً للجنة التحكيم الخاصة بمهرجان المسرح الجامعي العربي الثاني، الذي نظمتهُ جامعة البصرة يوم 5 / 11/ 2012، وترأس لجنة مناقشة طالب الماجستير الفنان العراقي «مهند مالك العميدي» عن رسالتهِ الموسومة (ثنائية الحقيقة والوهم في النص المسرحي العراقي) يوم 24/ 11/ 2012 بجامعة البصرة، وكانت لهُ مشاركة في فعاليات مهرجان مسرح الشباب العربي بدورتهِ الأولى ببغداد نهاية عام 2012، فيما تم اختياره عضواً في لجنة مناقشة طالب الماجستير «بشار عليوي» الموسومة (المحمولات الفكرية في عروض مسرح الشارع) بكلية الفنون الجميلة بجامعة بابل يوم 19/ 8/ 2013، وأشرف على رسالة الدكتوراه للباحث العراقي د. عامر صباح المرزوك والموسومة (تطور البنية الدرامية في مسرح يوسف العاني) داخل المعهد العالي للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون في القاهرة التي نوقشت يوم 17/ 4/ 2014، وكتبَ مُقدمة تحت عنوان (بحث وباحث ورؤيا ثاقبة للعالم) لكتاب (مسرح الشارع - حفريات المفهوم والوظيفة والنتاج) الصادر عام 2014 تأليف: بشار عليوي، وقام الناقد د. عطية بوصفهِ رئيساً للمهرجان القومي للمسرح المصري بتكليف الناقد العراقي د. بشار عليوي، من أجل تنظيم وتنسيق قسم «نظرة ما» والمخصص حول مسرح الشارع ضمن فعاليات الدورة العاشرة للمهرجان القومي في تموز/ يوليو 2017 وتمتْ استضافة عروض مسرحية عراقية ضمن فعاليات هذا المهرجان، وكانَ آخر محطة للناقد الراحل د. عطية مع المسرح العراقي حينما تمَّ اختياره كمُشرف ثانٍ على رسالة الماجستير الموسومة (الأجساد الثقافيَّة وبُنية أداء الممثل في العرض المسرحي المُعاصر) للطالب العراقي علي محمد عبيد التي نوقشت بجامعة البصرة يوم 11/ 3/ 2018، وتأكيداً لقيمة الراحل الكبير د. حسن عطية وتعزيزاً للتفاعل العميق والصلات الممتدة بين الحركة الثقافية والمسرحية المصرية والعراقية وبمُناسبة مرور 40 يوماً على رحيلهِ أصدرَ الباحثان المسرحيان العراقيان د. عامر صباح المرزوك ود. بشار عليوي كتابهما المُشترك الموسوم (حسن عطية أيقونة النقد المسرحي) عن الهيئة المصرية العامة للكِتاب 2020 كأول مطبوع عن د.عطية بعد أن وجدا أن أفضل طريقة للتعبير عن الوفاء لناقد مسرحي عشقَ العراق أرضاً وشعباً وحضارةً وكانتْ لهُ أيادٍ بيضاء على عديد المسرحيين العراقيين، من خلال اصدار كتاب يحمل بين دفتيهِ كلمات وشهادات من مُحبيهِ وحصر وجمع وتوثيق التراث النقدي والفكري لهُ بُغية التعريف بشخصية مصرية نقدية وعلمية وفكرية تركتْ أثرها البارز في المشهد المسرحي والثقافي المصري بشكل خاص والعربي بشكلٍ عام وكانتْ لهُ محطات مهمة مع المسرح العراقي.