القصيدة الحمراء

طالب عبد العزيز 
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام

  كلّما عدّتُ لقراءةِ «سيرجي يسينن»*
تدمدمُ عاصفةٌ خلفَ الباب..
وباكيةً تنهارُ بقلبي شجرةُ قيقبٍ كبيرة
غالباً ما أصطحبُها، فندخلُ حانةً، 
فارغةً إلّا من قصيدةٍ أخيرةٍ له  
فقد انتظمَ الجميعُ مصفّدينَ، نحوَ سيبيريا.. 
الى هناك، أردتُ أنْ أمضي..
لكنَّ الثلجَ ظلَّ يسقطُ، 
وتعطّل  قطارُ الساعةِ التاسعة
قلتُ للشرطيِّ المُسمَّر ببابِ الحانة:
لقد قطعَ وريدَه، مُغنِّي السُّهوبِ البيض، 
القرويُّ، الذيّ أغمضَ عينيهِ عن قيءِ الآخرين 
لكنه لم يفتح البابَ لي 
النادلُ وحده كان منشغلاً بالنافذة 
يسألُ مِزلاجَها البليد عن نهايةٍ قريبةٍ للشتاء 
وشيئاً فشيئاً راحت تذبلُ أعناقُ الفوانيس.
*** 
بالشجرةِ التي اصطحبتُها احتميتُ 
ولم تتوقف العاصفةُ..
وبالكافيارِ الاسودِ تجرّعتُ كاسَ الفودكا 
- كان صرفاً -.. ولم تتوقفْ..
أحصيتُ البلاطَ، وسمّيتُ الطَّاولاتِ 
وباليأسِ والانتظارِ ملأتُ المقاعدَ الخيزران 
لكنها لم تتوقف.. 
هذه الجدرانُ عظامٌ نخرةٌ وزجاجٌ ملوّن.
كانت الأرففُ تُسقطُ حقائبَ، بعرواتٍ داكنةٍ
وبالخيولِ الهزيلة تزمّجرُ العرباتُ 
فتشتجرُ المصابيحُ نحيباً في الثلج..
***
على الرصيفِ المقابلِ للساحةِ  
ومن يدِ أحدِهم سقطتْ حُزمةُ أصفادٍ 
عليها دمعٌ كثير، يقولُ الشرطيُّ:
 لا أحدَ يتخلّى عن أصفادِه، هناك. 
وفي كلِّ عاصفةٍ تهبُّ 
ثمةَ من لم يُفلتْ ذراعَ حبيبته.. 
ولا يأخذُه صريرُ النوافذِ إلى حانةٍ أخرى..
***
أمامَ بيتِ السلافيِّ الأشقر صاحبِ (الكلبةُ التي أخذوا جراءَها**)  
يتوقفُ قطارٌ بجلبةٍ وثغاءِ شياه 
حاملاً رسائلَ كثيرةً، وبمظاريفَ زُرْق
فتغلقُ امرأةٌ عجوزٌ نافذتها 
ليمرَّ قطارٌ آخرُ..
تنخلعُ لزمجرته أفئدةُ الأبواب 
هائجاً، لا يعبأ بشَعْرِ النُّسوة الثِّملات
 اللواتي خرجنَ من المرّقص توّاً.
*** 
الشُّرطيُّ وشجرةُ القيقبِ والظلام 
الى اليوم، يتحدثونَ عن الحانةِ 
التي كتبَ الشاعرُ بين طاولاتها 
قصيدتَه الحَمراءَ الأخيرة.  
 ----------
* الشاعر الروسي المعروف
** إحدى قصائده