بغداد – واع
تتجه بوصلة الاقتصاد العراقي نحو التنمية بخطوات مدروسة بعد أن حققت مبيعات النفط فائضاً مالياً وهو ما أكده وزير المالية علي عبد الأمير علاوي الذي أشار الى أن"العراق سيكون له فائض من فارق بيع النفط بحدود الـ20 مليار دولار"، مؤكداً أنه "في ظل الوفرة المالية الحالية من المستبعد اللجوء إلى الاقتراض".
وانعكست الخطوات التي اتخذتها الحكومة من خلال الورقة البيضاء التي أعلنت عنها بعد تشكيلها، على التنمية الاقتصادية بشكل واضح وهو ما أفصح عنه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي قال: "إن الحكومة نجحت خلال عامين من عملها في تحقيق أعلى معدل نمو اقتصادي على مستوى الدول العربية بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي توقعت أن يصل معدل النمو الاقتصادي في العراق إلى نسبة 9,5% خلال عامي 2022 و2023".
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن العراق بحاجة الى استثمار الفائض المالي في إنجاز مشاريع تنموية كبيرة، ولكن مع وجود تأخر في إقرار الموازنة لعام 2022 يبقى استثمار هذه الاموال معطلاً.
بدوره، قال المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "المعجلات الاستثمارية المهمة ترتبط بقانون الموازنة للعام 2022، من خلال أبواب الانفاق الاستثماري المستحدثة والبرامج الاستثمارية الجديدة وليس بالصرف بنسبة 1/12 من المصروفات الفعلية الجارية في العام 2021 ".
وبين أن "متوسط الإيرادات النفطية للعام 2022 سيزيد بنسبة لا تقل عن 60% من إيرادات الصادرات النفطية للعام 2021، ما يعني أنه سيكون هناك احتياطي مالي كبير متوفر للدولة في نهاية العام ربما يتخطى الـ40 مليار دولار"، مشيراً الى أن "العراق وضع في مقدمة أولوياته الساعيةِ لدخول آفاق التطور والتنمية المتسارعة أن يتخطى مرحلة الاقتصاد الريعي أو أحادية الاقتصاد، إذ ما زال النفط الخام يشكل الثقل الأكبر في مكونات الناتج المحلي الإجمالي".
وأوضح صالح أن "خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الخمسية والعشرية هي من تحدد معدلات النمو القطاعية والاجمالية بغية إحداث تغيير جوهري في مساهمة القطاعات الحيوية المنتجة من غير قطاع النفط الخام في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يسمى بتنويع البنية الإنتاجية للاقتصاد الكلي".
ولفت مستشار رئيس الوزراء إلى "أهمية تبدل أنماط الإنتاج ومُركباتها في توظيف العمل والاستثمار برأس المال الوطني لمصلحة القطاعات الحقيقية الحيوية، ابتداءً من تعظيم دور القطاع الزراعي في الناتج المحلي الاجمالي وانتهاء بالصناعة التحويلية والخدمات الرقمية، من دون إغفال أن هناك قيداً كبيراً على ذلك التنويع يتمثل بالشروع المتسق في الاستثمار بالبنية التحتية المادية والمؤسساتية".
وأكد أن "النمو في القطاعات المتنوعة يتزايد بنسبة مضاعفة كلما ارتفعت معدلات الاستثمار في البنية التحتية للاقتصاد وفي مقدمتها ستة قطاعات هي الكهرباء والمياه والنقل والاتصالات والتعليم والصحة، وهكذا تتقدم الأمم على أن تكون إدارة التنمية مشتركة بين برامج الدولة وبرامج القطاع الخاص وبشكل تكاملي".
واقترح صالح انشاء صندوق أو حساب يعنى باستقرار الموازنة ويغذى سنوياً بنسبة من فائضات الريوع النفطية، للتحوط من مخاطر تقلبات الأسعار، فيما أوصى باعتماد الانضباط المالي بعد ارتفاع أسعار النفط، مشيراً الى أن ذلك يجنب اللجوء للاستدانة ويتحوط من صدمات أسعار النفط.
وزير المالية علي علاوي أكد "زيادة الاحتياطات النقدية لدى البنك المركزي الى 90 مليار دولار في حلول نهاية العام الحالي"، لافتاً الى أن "تخفيض قيمة الدينار العراقي أدى إلى الحفاظ على احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي العراقي بعد المستويات المنخفضة والحرجة التي وصلت في أواخر عام 2020".
وأضاف أنه "من المتوقع أن يؤدي التعافي المستمر لأسعار النفط إلى زيادة هذه الاحتياطيات إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية العام 2022 وهو مستوى قياسي للعراق"، لافتاً الى أن " انخفاض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار الأمريكي في كانون الأول 2020 أسهم في انخفاض الطلب على الدولار الأمريكي، في حين أن الطلب الحالي على الدولار أعلى من الانخفاضات التي شوهدت في العام 2020 إلا أنه أقل بكثير من الفترة التي سبقت العام 2020".
وأشار الى أن "استمرار مبيعات وزارة المالية بالدولار الأمريكي يعكس زيادة عائدات النفط ، وزيادة توفير الحكومة للسلع والخدمات للمواطنين"، مؤكداً أن "ارتفاع مبيعات وزارة المالية للدولار الأمريكي مقابل انخفاض الطلب على الدولار سيؤدي إلى زيادة احتياطيات العملة الأجنبية لدى البنك المركزي".
وبشأن الدين التجاري للعراق قال وزير المالية، إن "الدين التجاري الحقيقي الوحيد للعراق هو اثنين من ثلاثة سندات يوروبوند بمعدل فائدة 5.8٪ و 6.72٪، بينما الثالث بمعدل فائدة 2.149٪، وهو مضمون من قبل الحكومة الأميركية.
وجميع الديون الأخرى هي بشروط ميسرة للغاية"، لافتاً الى أن "الدين الخارجي لا يشمل ديون النظام السابق والتي تبلغ 57.8 ترليون دينار، أو ما يعادل 39.9 مليار دولار، وهي مجمدة منذ العام 2003 بدون فوائد أو سداد كجزء من عمل وزارة المالية لتخفيض الديون".
وبين علاوي، أن "الوزارة أعادت تشكيل الديون المحلية كافة كالتالي: أصبح رصيد الديون المحلية كله بآجال متوسطة أو طويلة الأمد بعد اتفاق الحكومة مع البنك المركزي والمصارف العامة في 2020 لتحويل كافة حوالات (سندات) الخزانة الحالية الى قروض لـ 10 سنين و لـ 20 سنة، مع سداد للأقساط ابتداءً من آذار 2021 ومعدل فائدة مخفض الى 2٪"، فيما يبلغ مجموع الديون الخارجية والداخلية أكثر من 99 ترليون دينار".
من جانبها، قالت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "الزيادة في أسعار النفط من المفترض أن توجه إلى مجالات يعاني منها الاقتصاد العراقي من نقص التمويل وأهمها سد فجوة العجز في الموازنة العامة، وأن تكون موجهة للأغراض التنموية وتحسين وضعية المواطن لاسيما ملف الصحة وخصوصاً مع تفشي الجائحة ووجود ظواهر اختناق المستشفيات ،كذلك توفير نفقات لسد احتياجات البطاقة التموينية وتحسين نوعيتها".
وأضافت سميسم، أن "هناك مسألة مهمة تتمثل في الرؤية الاقتصادية والاستفادة من هذه الأموال والحذر من ضياعها وضياع الرقابة والشفافية حيث إنه ليست هنالك أي تقارير في ما يخص الحسابات الختامية التي يزودها ديوان الرقابة المالية فضلاً عن انتظار إقرار البرلمان موازنة 2022".
بدوره، قال الخبير الاقتصادي طارق الانصاري لوكالة الأنباء العراقية (واع): إن "ارتفاع أسعار النفط من الممكن أن نطلق عليه (انتفاض السوق النفطية) بسبب ثلاث حالات أو مشاكل حدثت في السوق النفطية وهي تزايد الطلب على الوقود في أوروبا بسبب انخفاض المخزون الأوربي بنسبة 11%، وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بسحب المخزون النفطي الستراتيجي، وتراجع الصادرات بالنسبة الى كازاخستان وهي عضو في أوبك".
وأضاف الأنصاري أن "هذه الزيادة تمثل مؤشرات ناجحة وجيدة على إنعاش الاقتصاد العراقي إذا ما استغلت بشكل سليم وصحيح ضمن الهندسة الاقتصادية في السياسة النفطية للعراق وصولاً إلى امتصاص البطالة وتخفيض القروض والتي أصبحت تثقل كاهل الاقتصاد العراقي والموازنة العامة والمواطن العراقي بشكل خاص".
وأكد أن "هذه الزيادة يجب أن تحذو حذو ما فعلته بعض الدول عبر وضعها ضمن استراتيجية دعم الأجيال حيث اتجه الاقتصاديون في السياسة النفطية نحو تعزيز الصندوق السيادي لدولهم بشكل مباشر"، مشددا على "ضرورة اتخاذ الإجراءات الصحيحة والسليمة في السياسة النفطية وتحقيق الزيادة على المنظومة الاقتصادية في العراق كونها منظومة هشة لا تعتمد المعايير في كيفية توظيف هذه الزيادات حتى تنعكس على الاقتصاد العراقي والمواطنين".
وأشار إلى "أهمية أن تكون هناك إعادة لكل الأداء الحكومي للفعاليات الاقتصادية وإعادة هيكلة السياسة النفطية وتحقيق التوازن ما بين السياسات المالية والنقدية والاستثمارية والعمل على تفعيل الصندوق السيادي كما نسميه صندوق الأجيال وبنائه بالشكل الذي يضمن اقتصاداً متيناً ورصيناً لأن الفرص في الاقتصاد لا تأتي دائماً في الظروف الاعتيادية وإنما تأتي دائماً في الظروف الصعبة".
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي نبيل جعفر، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "هناك موجة جديدة من ارتفاع أسعار النفط الخام ومن الممكن استثمار ذلك لكسر القيد المالي الذي يحول دون تنمية اقتصادية حقيقية، واستثمار المبالغ الكبيرة التي من الممكن أن تخصص لتفعيل الجانب الاستثماري وانشاء بعض المشروعات الاستراتيجية المولدة للسلع والخدمات والمؤثرة في تحقيق قفزة نوعية للاقتصاد العراقي".
وأشار إلى "أهمية العمل على تأسيس صندوق سيادي ومصد مالي واقتصادي كون ارتفاع اسعار النفط لن يستمر وسنواجه في السنوات المقبلة عوامل هبوط في الأسعار لذلك الصندوق مهم للمحافظة لضمان المستقبل للأجيال المقبلة".