الأنبار- واع- ريا عاصي
رغم امتلاكها موارد غنية ومقومات اقتصادية يفترض أن تمنح أهلها فرص عمل ذات مدخول جيد، تعاني مدينة هيت بمحافظة الأنبار من أهمال وظروف عصفت بقطاعيها الزراعي والصناعي.
واشتهرت هيت بصناعة الدبس بفضل نخيلها الباسقات التي عانت من هجرة أهل القرى والبساتين وملاك الاراضي بين عامي 2014- 2016 نتيجة دخول عصابات داعش الإرهابية ولم يعد أحد يجرؤ على صعودها وتلقيح عناقيدها المتكورة بسبب هجرة المتخصصين.
دبس هيت
ويؤكد حميد رشيد الدليمي الاستاذ في كلية الزراعة بجامعة الأنبار لوكالة الأنباء العراقية (واع)، أن "صناعة الدبس تدر ارباحاً وفيرة ومضمونة وهي استثمار سهل قادر على انعاش الواقع الاقتصادي لأبناء هيت كما أن جميع مقوماتها متوفرة، حيث حقول نخيل التمر الزهدي، وتوفر الاراضي التي يمكن استغلالها وبناء منشآت صناعية (معامل)، فضلاً عن ميزة الايدي العاملة ومن الممكن استثمارها وإنهاء معاناة شباب المنطقة من البطالة".
وأضاف، أن "أرباح أي معمل لصناعة الدبس لا تتطلب اكثر من 18 شهرا لاسترداد رأس المال حسب دراسة علمية تطبيقية أجرتها جامعة الانبار عام 2010، استخلصت منها أن كل دينار عراقي مستثمر في هذا المشروع يدر 57% ربحا، كما وأن من شأن صناعة الدبس انعاش اقتصاد المدينة بتوفير مداخيل جيدة، كما أن معامل التعليب والنقل والمخازن كلها سيتم استغلالها بطرق علمية وصحيحة من شأنها رفع قيمة المنتج المحلي وتغطية ما تطلبه العائلة العراقية".
داعش سبب مباشر للتراجع
تشتهر مدينة هيت بنخيل الزهدي التي تنتشر على ضفتي الفرات من الجهتين، كما تشتهر بزراعة السمسم والشعير وتتنوع الفاكهة في بساتينها ما بين التفاح والمشمش والرمان والتوت الأبيض بالإضافة الى الطماطم الكرزية الصغيرة.
ويقول المزارع أبو هاني البالغ من العمر 84 عاما لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن زراعة النخيل في تراجع "أمتلك أربعة حقول نخيل في مدينة المشتل داخل هيت، وأعاني كبقية المزارعين من قلة العمالة وتضاعف اجورهم ونقص في قطع غيار مضخات الماء التي نعتمد عليها اعتمادا كليا في سقي محاصيلنا الموسمية من تمر ورمان ومشمش وتفاح وتوت"، مؤكدا أنه "اغلب مضخاتنا توقفت كلياً اثناء احتلال عصابات داعش الإرهابية لمدننا، مما أصاب بساتيننا وحقولنا بالجفاف وضعف المحصول".
وأضاف، "وحين تحرير المدينة لم نتمكن من صيانة هذه المضخات لأننا واجهنا خرابا كبيرا ليس في الحقول وحسب بل منازلنا وعددنا، وهاجر اغلب العمال وخاصة من يصعدون النخل، والتي كانت مهامهم العناية بالنخيل وتلقيحها وجني محاصيلها".
إهمال الزراعة وانتعاش التربية الحيوانية
ويقول أمجد عزيز الهيتاوي أحد أهالي القضاء لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "اغلب المزارعين اليوم يتجه للربح السريع عن طريق تربية المواشي وبيعها، مما أدى لإهمال كبير لمحاصيل الأرض الزراعية التي تتطلب جهدا ووقتا وصبرا كبيرا".
ويضيف، أن "أغلب ملاك الأراضي بعد أن تعلم وحصل على شهادة هجر الأرض وزراعتها واتجه جيل كامل للعمل المكتبي وهجروا الزراعة ومحاصيلها، وأنا من ضمنهم ، فضلت عملي الجامعي على العمل بمزرعة جدي وسلمت الأرض لمزارعين".
زراعة العراق تخسر 100 ألف دونم سنوياً
ويشير خبير الموارد المائية سعد سام لوكالة الأنباء العراقية (واع) إلى أن "العراق يخسر سنويا 100 الف دونم من الأراضي الزراعية، لقلة الموارد المائية وكسل المزارع واعتماده الكلي على مياه الأنهار والامطار بدل أن يعتمد على المياه الجوفية التي يشتهر بها العراق".
وأضاف، أن "عدم استقرار المنطقة امنيا وعدم وجود خطط حقيقية لإنقاذ الزراعة والمياه في العراق تحولت أراضينا الى بور ومدن كونكريت عشوائية لا تخضع لاي رقابة حقيقية".
مطالبة بدعم حكومي
ويقول صاحب احد معامل الدبس في هيت لـ (واع) إن "إغراق المنتجات المستوردة في السوق العراقية ومنافسة المحلي بأسعار ادنى هو ما جعل المنتج المحلي يتراجع ولا يجد مكانا له في السوق".
وأضاف، "عانت هيت الامرين، اذ إنها عانت تحت احتلال عصابات داعش الإرهابية من تهجير العديد من الأهالي وتشريدهم وتحطيم اغلب معامل المدينة من اسمنت ودبس وراشي ومعامل الزجاج، ولم يتم تعويض ما خسرناه، وأصبحت إعادة المعامل مكلفة مما جعل المنتوج الوطني والمحلي أغلى من المستورد، ووزارة الزراعة لا تدعمنا بشكل حقيقي وجاد ونعتمد على مصادرنا وعلاقاتنا لتشغيل معاملنا من جديد من اجل توفير لقمة العيش وفرص عمل لأبناء المدينة".
وتعد هيت واحدة من أقدم مدن العالم، اذ تعتبر منابع القير فيها احد اهم مصادر بناء الزقورات في عهد فجر السلالات الثلاث 2800 قبل الميلاد، وتشتهر بنواعيرها التي استخدمها الأهالي لإيصال الماء لاحيائهم السكنية ولسقي البساتين.