علي لفتة سعيد
لا يبدو الصراع السياسي مرهونًا بالتشابه أو بالقبول من الناس كمواطنين بالمجموع الكلي، لأنه عمل يعتمد على برنامجٍ هو سياسي أصلا وإن استغلّ ما هو موجود من مناهج وآيديولوجيات لدى الأحزاب الأخرى وخاصة العريقة منها. باعتبار أن المجموع غير متشابهٍ فكريا وثقافيا.
ولكن السؤال الذي يراد طرحه: هل تفقد هذه الأحزاب التي تتصارع الأخلاق؟ هل يجوز استخدام أي سبيلٍ أو انتهاج أيّ شيءٍ حتى لو كان مخالفًا للعرف السياسي والوطني والشرعي، من أجل اقناع الناس بالفكرة حتى لو كان الكذب واحدًا من هذه الطرق؟
إن الحزب في تأسيسه يأتي محمّلا بالكثير من الشعارات،سواء كان هذا الحزب له منهجٌ علماني أو ديني، رأسمالي أو اشتراكي، مدني أو عسكري، جمهوري أو ملكي، يبحث عن المستقبل أم يدعو الى العودة الى الماضي.. المهم أن لديه فكرةً تحوّلت الى منهجٍ ثم تحوّلت الى أيديولوجية، لأن الهدف ليس فقط الإبقاء في الساحة السياسية. لذا يمكن العودة الى طرح السؤال الجامع للأسئلة: هل الأحزاب التي تأسّست في العراق بعد عام 2003 هي أحزابٌ لها أفكارٌ معيّنة قابلة للتحوّل الى منهجٍ سياسي، يراد له أن يكون أيديولوجيًا قادرًا على استمالة عقول وأفكار الناس للانتماء لهذا الحزب أو ذاك؟ إن الإجابة ستقول بالتأكيد إن هذه الأحزاب الجديدة لم تكن سوى تجمّعات بشرية تمكّن بعض المتصدّين لأن يكونوا في القمّة ثم تحوّلوا الى رمزٍ سياسي، ومن ثم الى قيادة هذا التجمّع، ليس لتحقيق الهدف العام كما هي الأحزاب التي تصل من خلال الجمع الى السلطة لتعمل من أجل المجموع الكلي، بل لديمومة بقاء الرمز باعتباره المنقذ الذي يمكن تحقيق الأهداف من خلاله.مهما كانت هذه الأهداف حياتية أم دينية أم اجتماعية أم فئوية.. إلخ. لذلك فإن هذه الأحزاب التي نقصدها هنا هي كلّ التيارات والتحالفات والتعاقدات التي انولدت بعد عام 2003 والتي عملت على إزاحة الفكر السياسي ليكون فكر القائد الذي يتحوّل كلامه الى منهج عملٍ فئوي، وليس الى منهج عملٍ وطني..ولذلك فإن هذه الطريقة لم تؤدّ الى ولادة أحزاب بالمعنى السياسي، بل الى تجمّعاتٍ خاضعةٍ الى فمٍ واحد، وهو الأمر الذي انعكس على الأداء السياسي للجميع، وهو صراعٌ شخصاني رمزي قيادي يتبع فكرةً واحدة.. ولعلنا لا نغالي إذا ما قلنا إن الفشل الذي أصاب النظام السابق، هو تحوّله من حكمٍ على أساس الممارسة الحزبية، الى حكمٍ سلطوي إزاحي يقصي من يقف ضدّه، يؤمن بواحدية الفكرة والقول الذي اختصر في قول مشهور صار أشبه بأيقونة أكبر من الشعار (إذا قال صدام قال العراق)، وهو الذي يطبق الآن بقول آخر لكن المعنى واحد وهو لا يقتصر على جهةٍ معينةٍ أو محدّدةٍ أو طائفةٍ أو قومية، بل هو عمل الجميع ربما بلا استثناء. ولهذا نجد أن العمل الحزبي هنا تحوّل الى صراعٍ تخويني شكّاك، كثير الظنّ، باحث عن الثغرات التي يمكن توسعتها من أجل التسقيط، وباحث عن المعونة من الخارج من أجل التقوية والاستقواء، فتحوّل الناتج من عملٍ حزبي للوصول الى السلطة بهدف تقديم الخدمات، الى ناتجٍ مدمّرٍ حتى لأعضاء الحزب ذاتهم، لأنهم تحوّلوا الى مجرّد مردّدي أقوالٍ زخرفت بالجمال اللفظي، وطعّمت بالكذب والخديعة، ليس للحصول الى تأييد الآخرين، بل من أجل ألّا يصدق أحد ما قاله الحزب الآخر وما فعله أو يفعله، لذا كانت النتيجة هي صراع من أجل إنهاك الآخر وإزاحته.
إن تأسيس الأحزاب في العراق لم يكن على أساس العمل الحزبي كما في كلّ دول العالم، بل من أجل فكرة الشخص أو المصلحة الخاصة لفئة معينة، والتي تتمحور على أن الجميع على خطأ ولا يحتمل الصح، ويجب التصديق بمقولة القيادة التي تذهب بالناس الى برّ الأمان، حتى لو كان هذا البر مليئًا بالصراعات التي قد تؤدّي الى صدامات، فالجميع خاضعٌ الى التضحية وفق فكرة (المجموع من أجل الفرد)، باعتباره يمثل الحزب أو الحركة في اليافطة
العامة.