أ.د.عامر حسن فياض
من أجل الإجابة السليمة عن التساؤلات المتصلة بتعديل الدستور نحرص على ذكر وصايا ذهبيَّة تستحضرها دائما عقول المهتمين أو الذين يرغبون، حقا، بالاهتمام بالشأن الدستوري ليجعلوا من الدستور (المفتاح) و (المرجعية الوطنية) و (القاسم المشترك بين الجميع).
وهذه الوصايا هي:
الوصية الأولى: إنَّ وظيفة القاعدة الدستورية تتمثل بتسوية الخلافات والنزاعات وليس بوظيفة إنتاج وإعادة إنتاج الخلافات والنزاعات في المجتمع السياسي.
الوصية الثانية: إنَّ العلاقة بين الرضا العام والقبول التام عن الوثيقة الدستورية وبين كثرة الإقصاءات والاستثناءات في نصوص هذه الوثيقة هي علاقة عكسية.
فكلما زادت الإقصاءات والاستثناءات تقل المقبوليَّة التامة ويتناقص الرضا العام عن هذه الوثيقة.
الوصية الثالثة: ينبغي أن تحضن الوثيقة الدستورية مبادئ ومنطلقات عامة تضمن التوافق ومن ثم الشراكة بين جميع مكونات المجتمع السياسي من جهة، وينبغي أن تتجنب نصوص هذه الوثيقة، قدر الإمكان، الانشغال بالتفاصيل التي تثير، في الغالب، النزاعات والخلافات، لأن في التفاصيل، كما يقال (تكمن الشياطين).
الوصية الرابعة: إنَّ وضع قاعدة دستورية صحيحة غير قابلة للتطبيق اليوم وقابلة للتطبيق غدا أو بعد غد، أفضل بكثير من وضع قاعدة دستورية ناقصة وغير صحيحة قابلة للتطبيق اليوم وأن تطبيقها بعد هذا اليوم تحت مزعم (الواقعية) يكون كارثيا. فليس كل ما هو (واقع) صحيحا، وليس كل ما هو صحيح اليوم وغدا سواء كان هذا الصحيح واقعا ملموسا اليوم أو صحيحا ملموسا غدا أو بعد غد.
الوصية الخامسة: كل وثيقة دستورية يمكن أن تحتوي ألغاما ومعطلات الألغام. والخطورة لا تكمن فقط في الألغام، بل في تعطل معطلات الألغام أيضا. وعلى صناع الدستور والمشتغلين على تعديله أن يحذروا من زرع الألغام في هذه الوثيقة لكي لا يضيعوا الوقت في وضع معطلات لهذه الألغام من جهة ولكي يعفوا أنفسهم والآخرين من التفكير والخوف عند تعطل هذه المعطلات من جهة ثانية، ولكي يتخلّصوا من الخوف المترتّب على هذا التعطيل المسبب لفاجعة انفجار الألغام بعد تعطل معطلاتها من جهة ثالثة.
الوصية السادسة: كل الوثائق الدستورية الديمقراطية السليمة تقوم على أساس التوافق أو التوافقية.
غير أنَّ هذه التوافقية أو ذلك التوافق ينبغي أن يكون سياسيا. أي محكوما بالمعايير السياسية المدنية وليس بمعايير المحاصصة العنصرية والطائفية والعشائرية. لأنَّ المعايير الأخيرة تجعل من هذه الوثيقة الدستورية مجرد لباس عصري متمدّن لحشوة تقليدية غير متمدنة.
الوصية السابعة: إنَّ صناعة الوثائق الدستورية الديمقراطية وتطبيقاتها بعد الصناعة تقوم على أساس مبدأ الشراكة والمشاركة وليس على أساس التفرّد والهيمنة لفريق من فرقاء المجتمع السياسي.
وأنَّ كل فريق من هؤلاء الفرقاء في المجتمع السياسي يفكّر ويعمل على أساس أنه المنتصر في هذه الوثيقة الدستورية على الفرقاء الآخرين، فإنَّ تفكيره هذا وعمله ذاك هو بداية هزيمته وبداية الخسارة لكل الفرقاء.
الوصية الثامنة: إنَّ الوثيقة الدستورية الديمقراطية هي المستلزم التأسيسي والأساسي لبناء دولة قوية (مع) المواطن، وليست لها الإمكانية في أن تكون (ضد) المواطن.
الوصية التاسعة: إنَّ الوثيقة الدستورية الديمقراطية لدولة فيدرالية (اتحادية) لا تسمح بتقطيع السلطة السياسية ولا بتركيزها وتركزها، بل تسمح بتوزيع وظائف السلطة وصلاحيات مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية ما بين المركز (العاصمة) والأطراف (أقاليم، مقاطعات، ولايات، محافظات).
الوصية العاشرة: إنَّ وجود نص دستوري يؤكد استقلال الدولة وسيادتها ووحدتها أرضا وشعبا يجعل من المطالبة بالاستقلال التام واستكمال السيادة مطلبا مشروعا ومسعى لا اعتراض ولا غبار عليه.
فالأفضل لمواطن هذه الدولة أن يطالب باستكمال السيادة والاستقلال بوجود مثل هذا النص الدستوري من أن يطالب باستكمال السيادة والاستقلال من دون وجود هذا النص الدستوري. نضع هذه الوصايا ونأمل أن تكون موضع انتباه اللجنة التي ستتولى النظر في تعديل الدستور.