ستار كاووش
كان الفنان الفرنسي العظيم كايليبوت (1848-1894) فناناً استثنائياً بين فناني جيله، فهو إضافة إلى موهبته الكبيرة، كان قد حصل من عائلته على أرث كبير وثروة طائلة، وقد وظَّفَ هذه الأموال بطريقة جمالية، حيث اقتنى لوحات أغلب أصدقائه وظل يجمع لوحات مجايليه ويدفع لهم مبالغ جيدة أزاء ذلك. هكذا استعملَ هذا الرسام ثروته بمساعدة باقي الرسامين. كي يمضوا بسهولة وهم يشقون طريقهم الصعب لتثبيت الانطباعية في سبعينيات القرن التاسع عشر. أحَبَّ هذا الرسام مدينة باريس وصورها كعاشق للحياة المدنية، وعكسَ في لوحاته روح هذا المكان الذي انبثق منه الجمال كما يزهر الورد في حقل ملون. وقد رسمَ مشاهد بقيت خالدة، مثل لوحتنا التي نعرضها هنا (يوم ممطر في باريس) والتي رسمها سنة 1877، وعرضها في المعرض الثالث للانطباعيين. وهي تعد من أكثر لوحاته شهرة. وقد اختار كايليبوت زاوية غريبة وغير مألوفة لرسمها، ويبدو المنظور غير تقليدي وهو يشبه التصوير البانورامي في وقتنا الحاضر. تمثل اللوحة لحظة عابرة في المدينة -كما كان يرسم مجايليه من الانطباعيين- لكن كاليبوت لم يرسمها بشكل عابر أو عفوي، بل أعدَّ للوحته جيداً وهيأ الكثير من الدراسات والرسومات الأولية، وفكر بجميع تفاصيل التكوين، وحتى ملابس الشخصيات، كما تبدو ملابس الزوجين في المقدمة. وهذا يقول الكثير عن شخصية هذا الرسام الذي رغم قيامه بعرض لوحاته مع الانطباعيين، لكنه بقي يعمل في عالمه الخاص وتقنيته ورؤيته الشخصية، حتى وهو يرسم ويعرض وسط الانطباعيين، فهو فعلَ مثل ديغا، وأراد أن يقول كلمته الخاصة ويوظف مهاراته الواقعية بطريقة تجعل لوحاته تليق بالمتاحف (لأنه ربما رأى أن لوحاتهم أخف من أن تتحملها هذه الصروح العريقة)، ليتوصل في النهاية إلى إنجاز تحف عظيمة.
أيمن حسين: نعتذر من الجمهور عن التعادل مع الأردن
رابطة المصارف: ارتفاع نسبة الشمول المالي للدفع الإلكتروني