ساطع راجي
تثبت الأحداث الأخيرة ان الأخطار الحقيقية على وجود النظام السياسي القائم في العراق، تتأتى من داخل النظام وتنبعث من أكبر المستفيدين منه والمدافعين عنه، فهؤلاء تحديدا هم من سحبوا أرصدة النظام شعبيا ودمروها عبر اللامبالاة بالمواطنين ومشكلاتهم، فصار النظام معزولا لا تهتم غالبية المواطنين بانتخاباته وصراعاته، وانما ينتظرون منه انفراجات بطريقة الحالمين بالمطر في الصحراء، وأحلامهم تكذبها التجربة لكنهم يعيشون بانتظار المعجزة.
وما هو أكثر خطرا من ذلك، أن أعمدة النظام السياسي دمروا رصيد الدعم الخارجي، عبر التخبط في ادارة العلاقة مع العالم، بين سياسات تديرها الدولة بمنهج استعراضي بيروقراطي كسول وسياسات تفرضها الجماعات والأحزاب والشخصيات بحسب ولاءاتها ومصالحها، كأمر واقع لتتحمل الدولة نتائجها، رغم أن وجود واستمرار هذا النظام هو نتيجة فعل خارجي
متواصل.
القوى التي تعدُّ نفسها أعمدة النظام وحاميته تقوم بتقويضه حاليا، بعدما فشلت في الانسجام مع معاييره الحديثة، إنها (القوى) تشبه مجموعة بدائية وجدت سيارة فجأة ولأنها لا تعرف قيادتها قامت تحت تأثير الانفعال والعجز بتحطيمها، ليظفر بعد ذلك كل فرد بجزء منها، ويستخدمه بما لا ينسجم مع الغرض الذي صنع له أصلا، وهكذا تتعامل قوى السلطة مع مؤسسات وأدوات الدولة.
القوى الحاكمة تحطم النظام، عن قصد أو من دونه، لأنها تعجز عن ان تكون قوى معاصرة، وتعجز حتى ان تكون احزابا سياسية بالمعنى القانوني والعملي، ولذلك هي تعمل على إثبات عجز النظام، بدلا من الاعتراف بعجزها هي عن التعامل معه
وإدارته.
القوى العراقية، بمختلف اتجاهاتها، هي قوى غير ديمقراطية ولا تريد أن تكون ديمقراطية، بل تصرُّ على التراجع نحو أكثر أنماط العمل السياسي بدائية، الايمان بالفرد البطل الفذ، وهذا التعريف يكفي لتوقع الفشل الدائم لها.
إنَّ التفكك المستمر لقوى السلطة وتآكل بناها الحزبية يدفعها الى مزيد من الايغال في الفساد، اما للاعتماد على المال في تحصيل الدعم الشعبي والخارجي، أو استعداد للقفز من سفينة النظام التي تثقبها هي نفسها، لكن مصير هذا النوع من القوى يكون دائما أسوأ من كل كوابيسها.