د. علاء هادي الحطاب
السياسة في أبسط تعريفاتها «فن الممكن» ومن هذا المنطلق يعني إباحة السبل المتاحة لإدارة الفعل السياسي بما لا يتقاطع مع القوانين النافذة في البلاد، أو يؤدي الفعل السياسي إلى ذلك، إذ لا مواقف ثابتة ونهائية في السياسة، بل الثابت الوحيد هو التغيّر المرتبط بالأوضاع المحيطة بالفعل والأداء السياسي.
وهنا يكون معيار المصالح هو الحاكم، وعندما نذكر المصالح يعني ذلك مصلحة الحزب السياسي الذي يعتقد أن هذه المصالح مرهونة بتطبيق البرنامج السياسي الذي وعد به جمهوره في حال وصوله السلطة، ولا يعني فقط بالضرورة المصلحة الشخصية، لذا فإن تطوّر المواقف وتأرجحها لا يمثل سُبّة على صاحبها، ما دام الاشتغال هنا في مساحة السياسة التي تعني فن الممكن، بل إن التغيّر في المواقف يمثل مرونة سياسية لمعالجة المشكلات القائمة في الأداء والمواقف والفعاليات السياسية.
جاء الاتصال الأخير بين السيد مقتدى الصدر والسيد نوري المالكي في وقت شهدت الساحة السياسية حالة إنسداد خطيرة تمثلت بعوائق قانونية لا توافقية، إذ كانت الإنسدادات التي شهدتها مراحل تشكيل الحكومات السابقة ربما “توافقية” يمكن معالجتها بتدخل خارجي أو زيادة وزارة أو موقع هنا وهناك.
اليوم وبعد قرار المحكمة الاتحادية “الثلث المعطّل” لانعقاد جلسة اختيار رئيس جمهورية، الذي سيكلّف بدوره الشخص الذي سيرأس الحكومة، كان لابد من إنهاء هذا الإنسداد الذي أوقف مصالح الناس وأرزاقهم، فضلاً عن شبه إيقاف للدوائر الرسمية في أداء مهماتها، الأمر الذي ينذر بغضب جماهيري غير مسيطر عليه، ومتعدد الأهداف ممكن أن يتفجّر في أية لحظة، رافضاً كل مخرجات الانتخابات الأخيرة بما فيها قوى تشرين والمستقلون. لذا فإن الاتصال الهاتفي وما أعقبه من اتصالات واجتماعات لقوى سياسية وظهور أسماء لتولّي رئاسة الحكومة - حرّك المياه الراكدة، وأنهى حالة الانغلاق التام، وفتح أبواباً للحوار من جديد، إذ لا مناص عن ذلك الحوار في كل الفعاليات السياسية ومنها تشكيل الحكومة.
مبادرة الاتصال الهاتفي قلّصت الهوّة، وقلّلت حالة التشاؤم، وفتحت أبواباً للتفكير مرة أخرى خارج الصندوق، بدون مواقف مسبقة وأحكام جاهزة، للخروج بالبلد من حالة التناحر إلى انفراجة ممكن أن تسهم في خلق أجواء إيجابية لتشكيل حكومة تقدّم الخدمة لمواطنيها وتكافح آفات الفساد والمخدرات وغيرها من المشكلات الكبيرة التي يمر بها بلدنا.