أية مأساة هذه أن أجمع دفاتري المبعثرة في كتاب واحد هو ذاته تجربتي.. خطوطه لا تتحرك في أي اتجاه إلا لتحتفظ بخيباتي؟ أي مأزق أن تكون الأنثى مطعونة وحيدة كارهة للحياة ومع كل ذلك تتجسد برواية مهمة وتحصد أكثر المبيعات؟ أي عبث أن يكون فشل حياتي جزءا من شهرتي وأن يكون المجتمع ذاته هو جمهوري؟. أن تكتب امرأة ما عن تجربتها، يبدو الأمر مثل أن تُجيب عن سؤال: من أنتِ؟ هذا السؤال المتلصّص الذي لا تتضح صورته إلّا بعد أن تعيد تقييم نظرتها إلى الحياة.
أظنّ أن محاولة إنشاء فكرة موحدة عن كيفية استعراض التجارب وخاصة السرية والغامضة تشبه أن ترتدي كيساً من البلاستيك (النايلون) وسط حريق شاسع. من المحتمل أن يمنع هذا الفعل استنشاق الدخان، لكن الكيس سيلتصق على جلدك بالتأكيد.
هناك احتمالات ضئيلة أثناء خوضنا لتجارب تستدعي المنطق. فعندما نرقب الناس وهم يدورون في دوامة أو متاهة محاولة أن يفهموا الحب والانفصال وما بعد ذلك من عاهات نفسية تصيبهم، والسؤال الذي يشغلهم: كيف نختار وكل الطرق متشابهة النهايات؟ وهذا ما يعني أن الكثير من العلاقات المربكة من الناحية المفاهيمية لا نتمكن من تقييمها أو التغلب عليها.
حكاية امرأتين في رواية الدفتر الذهبي لدوريس ليسينج الحاصلة على جائزة نوبل في الآداب- تشير لذلك وتأخذنا نحو مفاهيم كثيرة لحظة أن نكتب عن تجربة كانت محاطة بالفشل والغموض.. إنها معركة عشوائية - غالباً ما تكون أيديولوجية، حين يتعلق الأمر بالطبائع المتناقضة للكاتبة تحديداً (وهو ما يحدث دائما).
المرأة، التي تتحول حياتها إلى حالة من يأس، إلى أداة متاحة للجميع من أجل أن تشغل الدور الذي هم عليه باعتبارها ضعيفة.. تنجح في استعراض تجربتها في رواية.
أقول ذلك وليس في خيالي صورة الكاتبة المتأملة المبهورة، بل لأخرى تفشل في الكتابة، لأنها وأثناء ذلك، تمر بكثير من الخيبات التي تعرقل رحلتها وسلسلة من المشكلات المصيرية المثيرة للقلق. مثل حياة (آنا وولف) في رواية الدفتر الذهبي وشعورها بالوحدة القاتلة بعد ذهاب ابنتها إلى مدرسة داخلية، ثم انخراطها في علاقة حب فاشلة مع كاتب سيناريو متزوج، لتغادر بعد ذلك أيضاً الحزب الشيوعي ومن ثم دخولها لمصحة عقلية.
كاتبة تبدأ بالكشف عن كل هذه الأحداث تدريجياً من خلال الدفاتر، فيركز الدفتر الأسود على تجاربها في أفريقيا وروايتها الأولى. والدفتر الأحمر على خيبتها من الشيوعية، بينما يحتوي دفتر الملاحظات الأصفر على سرد يبدو أنه خيالي عن علاقتها مع عشيقها مايكل المتزوج. أما الدفتر الأزرق والأخير فيشبه أجندة دونت فيها ذكرياتها وأفكارها.
بالطبع أنا، لا أجادل تلك الفكرة المستهلكة في اللجوء إلى استعراض التجربة، أنا فقط أفكر في (المأزق الأنثوي) لأن عواطف المرأة ببساطة لا تعني شيئاً بالنسبة للمجتمع. ولقد فكرت أيضاً في أن تجربة (آنا) لم تمنحها واقعية المأساة التي عاشتها بقدر بحثها المتوتر عن وجودها. وجود خارج الحقيقة (بالتأكيد ليست كل امرأة تقف خلفها الخيبات والطعنات تتمكن من العثور على وجودها). لأن عليها هنا أن تناقش الفروق بين الجنسين، تلك الفروق التي تركز على صورة لا تعمل مع النظم الأبوية إلا على خلق أزمة هوية. بهذا الترتيب، فإن استعراض تجربتها تخلق تصورات تعيد ترسيخ المرأة في أدوار سلبية ومحدودة.
أيمن حسين: نعتذر من الجمهور عن التعادل مع الأردن
رابطة المصارف: ارتفاع نسبة الشمول المالي للدفع الإلكتروني