أ.د. باسم الأعسم
اِحتشد نص عرض (ميت مات) تأليف علي عبد النبي الزيدي، بسيل عارم من الرسائل والسؤالات الإشكالية (الحياتية والفلسفية) بشأن موضوعات عديدة أبرزها: الحرب، والزمن اللامعنى، البحث، والانتظار، الذي طالما شغل أذهان الناس في الشرق والغرب.
وقد تناص موضوع الانتظار في (ميت مات) مع الفكرة الرئيسية في مسرحية (في انتظار غودو) لصموئيل بيكت، عن جدوى الانتظار، ولكن الزيدي قد عالجه من زاوية مختلفة، وبحسب مقاربة، تستفيد من النص الأصلي، بما يعزز إدانة الانتظار السلبي والشخصيات المهذارة العاجزة، غير القادرة على التغيير، فأحالها الى جثث ناطقة، كما لو كانت من حجر بلا روح، وبالفعل ميت مات.ولقد توضحت ثيمة العرض منذ اللحظات البكر للعرض، بوساطة الحوارات السردية المؤطرة بميكانيكية الأداء، والتي هيمنة على العرض، غير أن فاعلية حضور الشخص الثالث (العامل أو المنظف) الى جانب الشخصيتين الرئيستين
السلبيتين. قد انتشلت خطاب العرض من الترهل والرتابة، إذ تكرر دخوله في اللحظات التي يسود فيها السرد اللفظي، لتغيير إيقاع العرض من جراء سكونية الشخصيات، وثبات سينوغرافيا
العرض.
وحسناً فعل دراما تورج العرض علي الزيدي، عندما جعل الشخصيتين الثرثارتين المقرفصتين.. ملتصقتين طوال زمن العرض بالمصطبتين، كيَّما يوصي للجمهور بلا جدواها، وينبغي إزاحتها، ومما ساعد على ذلك البناء الدرامي الدائري لخطاب النص ونص العرض.
إذ ينتهي العرض مثلما ابتدأ، جمود الشخصيات، وثبات الديكور، فالشخصيات تضر المجتمع ولا تنفع، وكلاهما واحد سلبي، فائض عن حاجة المجتمع.إن المخرج الذي هو نفسه المؤلف، قد انشغل بالجانب الفكري، وصياغة الشخصيات، لذلك، هيمنة شخصيته على العرض بوصفة مؤلفاً، فطغى الجانب الأيديولوجي التنظيري على ما هو إجرائي على صعيد المقاربة الإيقاعية والجمالية لخطاب العرض المسرحي، إذا ما عرفنا أن العرض المسرحي خطاب جمالي، والجمال فيه لا يتحقق من دون اشتغال الأنساق الحركية والبصرية، كنسق الديكور، لنحت الفضاء تشكيلياً بما يعمق صلة الجمهور بالعرض من خلال دهشة الصور، وجمالية المفارقات، وبعث الحياة في النسق الثابت، كالديكور، تحقيقاً للإمتاع، والمسرة، والجمال، وعليه فقد كان العرض بمسيس الحاجة لتعميق، ديناميكية العرض
نفسه.ينتمي عرض (ميت مات) الى العروض المسرحية الثنائية، إذ يبدأ العرض وينتهي عبر وسيط الحوار الثنائي بين الشخصيتين الرئيستين، ولا ضير أن تساندهما شخصية ثالثة، وهذا ما فعله المؤلف، لكي تفعل الشخصية الهامشية أو الثانوية الثالثة، فعلها المؤثر في حسم أحداث العرض ورسم نهايته على وفق الضرورة الدرامية، ومنطق العرض الملغم بالرسائل
والانتظارات.
إذ إن الجمهور ينتظر، والممثلون وكل في فلك الانتظار يترقبون، وبالفعل تسيدت الأفعال الحركية للشخصية الثانوية الثالثة على الحوارات النظرية للشخصيات الرئيسة، التي أزيحت من منطقة العرض، أي من الحاضر الى الماضي، عندما استحالت الى تماثيل في متحف حسب، فأصبح الشخص الثالث هو المركز، والشخصيات الأخرى هي الهامش، إذ إن الممثل الثالث قد مثل الحركة، وجرأة الفعل، عندما كنس الشخصيات الضارة وليست النافعة، بما يتوافق وهدف المؤلف، الذي هو ليس الانتظار بحد ذاته، وانما الشخصيات الكاريكاتيرية والمنظور السلبي
للانتظار.لقد بث المؤلف عدداً من الرسائل الى الجمهور، وأبرزها: ضرورة الاعتماد على النفس في إحداث التغيير، وتغليب مبدأ (النحن) وليست الذات المنكسرة، والمأزومة، وأحسب أن رسائل العرض قد وصلت بوساطة ممثلين أجادوا التمثيل المتكلف، والحركات الميكانيكية القصديَّة، للاقتراب من هدف العرض، وإبعاد الشخصيات، ومن ثم
فرداتها.
وبهذا يكون الممثلون محسن خزعل ومخلد جاسم وسجاد جار الله قد أتقنوا الأداء التعبيري المصطنع بقصدية، والحركات الميكانيكية بمهارة، بقصد الاقتراب من فكرة النص الرئيسة وهدف العرض المحوري، فسلم الجمهور رسائل العرض بنحو
مبين.