سلمان الواسطي
قبل أعوام، أثناء دراستي في كلية (فينكس) بقسم التصميم والتصوير، كنت أقضي بعض الوقت أحياناً في المكتبة حتى استخدم الكومبيوتر المخصص للطلبة، وأحيانا أتصفح المجلات الموجودة في تخصصات مختلفة، كنت دائم الشغف بعدد فصلي لمجلة أميركية اسمها {تصميم داخلي}، إذ تحرص هذه المجلة على نشر أحدث الابتكارات والإنجازات والمشاريع وتضع صوراً بصحبة أقوال لأشهر من أثروا وغيروا في مجال العمارة والفن والتصميم، ومنهم "زها حديد}.
قدمت الفنانة المعمارية {زها حديد} أسلوباً استثنائياً في أفكار هندسية لم يجرؤ على تقديمها أي فنان أو مهندس معماري من قبل، إذ قوبلت أكثر تصاميمها في البداية بالرفض والاستنكار من قبل النقاد والمصممين وشركات العقارية والاستثمارية بذريعة "صعوبة تنفيذ هذه الأفكار" فضلاً عن أن الذائقة العالمية والسوقية لا تتقبل الجرأة المطروحة في التصاميم التي قدمتها حديد.
عادة ما يظهر تصميم حديد مثل كتلة تجميعية من حوائط أو أسقف بأشكال هندسية أو عضوية، بهدف خلق فراغات تحقق متعة جمالية وفنية ذات إطار معماري متفرد، إذ تتلاعب حديد بكتل الأجسام وتمنحها القدرة على المطاولة والمرونة مع باقي فضاءات التصميم، لخلق توازن ونسق حركي ما بين الأجسام الصلبة المحلقة أو الثابتة وبين النوافذ والأشكال الجمالية للمباني، وكل ذلك يدفع المتلقي للإحساس بأنهُ من ضمن مبنى غير جامد أي أن هناك تفاعلا جماليا وحسيا بين التصميم والمتلقي.
هذا المفهوم كان غريباً لدى النقاد والمعماريين. مما دفعهم لوضعها من ضمن تصنيف {العمارة التفكيكية} والذي أقيم لها معرض للفن الحديث في مدينة نيويورك.
جاء اشتراك حديد في هذا المعرض بعد اول مسابقة للمنافسة بتصميم مشروع {ذا بيك} في هونك كونك، والذي لم تفز بتصميمه ولكن لفتت الأنظار اليها بقوة لفرادة التصميم وقوته الأخاذة في التحليق بالخيال بعيداً عن الأنماط السائدة في الهندسة المعمارية.
ظلت حديد تقدم مشاريعها وتصاميمها منذ عام 1983 ولغاية 1989 من دون أن ينفذ لها مشروع واحد حتى أطلق عليها تسمية {مهندسة الورق} لأن غالبية مشاريعها تعرض على شكل مجسمات ولوحات في قاعات العرض والمسابقات الدولية والمتاحف العالمية.
كان أول مشروع تم قبوله هو تصميم محطة إطفاء فيترا في برلين، والذي يتكون هيكله من سلسلة من الطائرات ذات الزوايا الحادة ويعطي التصميم لطائرة أثناء التحليق. وتلتها مشاريع أخرى في لندن وويلز بيّنت اهتمام حديد في خلق مساحات مترابطة بشكل نحتي ديناميك للعمارة.
في عام 2000، عززت حديد مكانتها كمهندسة معمارية فريدة حين فاز تصميمها في ولاية {اوهايو} لتصميم متحف لويس روزنتال للفن المعاصر بمساحة 85000 قدم. كان هذا التصميم عبارة عن سلسلة عمودية من مكعبات وفراغات تعرض بواجهة جانبية زجاجية نصف شفافة محتويات المتحف، وبلطف ينحني بخط المبنى إلى الأعلى وكأنه يرحب بالزائرين.
وفي عام 2010، توجت زها حديد مسيرتها بالفوز في تصميم جريء ومتخيل للمتحف {ماكسي} في روما وحصلت على أثره جائزة ستيرلينغ المعهد الملكي للمهندسين المعماريين، وكانت هذه أول جائزة تمنح لامرأة مهندسة، وتلتها في العام الذي بعده جائزة أخرى من المعهد نفسه، وكانت عن تصميم هيكل أنيق للأكاديمية
{ايفلين جريس}.
توالت بعد ذلك تنفيذ الكثير من مشاريعها الفريدة والعملاقة في عدد من المدن والعواصم المختلفة يرافقها الجدل والنقد من نظرائها المعماريين والمهتمين بالفن، كما حدث في تصاميم الأولمبية في اليابان، إذ يقول بعض الكتاب إن ما تعرضت له زها حديد من سخرية ونقد في مسيرتها الابداعية في العمارة لم يتعرض لهُ نظراؤها من الذكور، ولكنها كانت تستمر في تقديم أفكار خلاقة وفرادة في تصميم الأسطح والفضاءات السائبة، التي تتحرر من قيود الهندسة المعمارية التقليدية. لذلك أصبحت موهبة حديد وأسلوبها عالميين ويدرسان، كما أن لتصاميمها مساحة مؤثرة خاصة في مسيرة الفن العالمية.
الكاتب مقيم في الولايات المتحدة