محمد شريف أبو ميسم
عرفت دولة الرفاه في أنموذج الدولة الكنزية التي ابتدع شكلها الانكليزي {جون مينارد كينز} إذ زاوج بين مسؤولية الدولة ومسؤولية السوق في إدارة شؤون الحياة في إطار ما يسمى باقتصاد السوق
الاجتماعية.
وفكرة اعتماد المزاوجة الكنزية بين مسؤولية الدولة والسوق في إطار منضبط لحرية رأس المال، هي التي دفعت باتجاه ولادة {مشروع مارشال} بعد الحرب العالمية الثانية، إذ اقترح رئيس الأركان الأميركي {جورج مارشال} تقديم نحو 8 مليارات دولار لإعادة إعمار أوروبا الغربية، التي خربتها الحرب العالمية الثانية، بعد أن سيطر الجيش الأحمر على برلين الشرقية والجزء الشرقي من أوروبا، حاملا لواء الشيوعية وشعاراتها الداعية الى توحيد عمال العالم وتحرير الانسان من عبودية العمل وتحقيق العدالة
الاجتماعية.
الأمر الذي أثار ريبة المعسكر الرأسمالي الذي تحمّل نفقات الحرب على مدار أربع سنوات، بينما يزحف الاتحاد السوفييتي على نصف مساحة أوروبا أملا بابتلاعها بالكامل على حساب حلفائه في الحرب، بعد صعود تنظيمات الأحزاب الشيوعية في عموم أوروبا، وتحديدا منها في ايطاليا وفرنسا
واسبانيا.
الأمر الذي دفع المعسكر الرأسمالي لايجاد أنموذج دولة تتفوق على أنموذج الدولة الشيوعية، فوجد في أفكار كينز الداعية لمشاركة الدولة مع القطاع الخاص، وتحميل الأخير ضرائب تصاعدية تتحول الى صناديق الدعم الاجتماعي في ظل تكامل تجاري مع الدول المجاورة، بما يشجع على زيادة الانتاج وادامة حركة التطور في سياق التسهيلات لحركة الرساميل والتجارة الدولية. أملا في وضع حد للمد الشيوعي في أوروبا
والعالم.
من هنا كانت بداية وجود {دولة الرفاه} بوصفها دولة ضامنة للحريات وحقوق الانسان، فضلا عن الضمانات الحياتية والمعيشية تحت مظلة دولة الضرائب التي تتحول الى خدمات تراقبها الرساميل قبل الدولة خوفا على هدر الأموال. وما بين الأعوام (1947 الى 1991) وظّف شكل دولة الرفاه للإطاحة بشكل الدولة
الاشتراكية.
وحين انهار المعسكر الاشتراكي، ما عادت دولة الرفاه مهمة لحماية النظام الرأسمالي من خطر الشيوعية، لذلك تصاعدت الأفكار الليبرالية الداعية لإعطاء المزيد من الحريات للرساميل ومزيد من الملكية في أصول الدولة، باتجاه إحلال سلطة رأس المال محل سلطة الدولة. إلا أنها وجدت معارضة قوية جدا من أحزاب (اليسار ويمين الوسط والخضر) في الدول الأوروبية، وسواها من الحركات المطالبة بحماية دولة الرفاه من الليبرالية الجديدة، بيد أن رساميل العولمة وجدت في مناطق أخرى من العالم ضالتها لتمرير غايتها في صناعة دولة الرساميل، في ظل أدوات العولمة الثقافية، بدعوى التأسيس لدولة الرفاه.