الإتجار بالبشر .. جريمة بوجوه متعددة يشدد القانون عقوباتها

محلي
  • 14-12-2021, 10:55
+A -A

بغداد- واع
تتمظهر جريمة الإتجار بالبشر بوجوه متعددة في الشارع، إذ ذكر قضاة إن الكثير من مرتكبيها يتخذون من شركات تشغيل الايدي العاملة غطاء لها، وكذلك إدارة مجاميع للأطفال المتسولين وغيرها من الصور.

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
ولم تكن جريمة الاتجار بالبشر وليدة السنوات الأخيرة، بل كانت منذ انقسام البشر إلى فئتين؛ سادة وعبيد، فنشأت في البداية ظاهرة الرق وفاقمت ذلك الحروب واستخدام الضعفاء كأسرى وعبيد، وأوصت جميع الشرائع والديانات السماوية بالمساواة ومحاربة الاستعباد، أما في العهد الحديث فقد ازداد شيوع هذه الظاهرة بعد الاستكشافات الجغرافية من الأمريكيين حيث اتخذت حرفة القرصنة وسيلة للرق إذ يتم بيع سكان المناطق المضطهدة في أسواق محددة لهذا الغرض.
وبعد تطور الوعي الثقافي وظهور تيارات في أوربا تدعو إلى التحرر، بادرت الدول للحد من هذه الجريمة لما لها من تأثير على ذات الإنسان وكرامته ووجوده لذا فقد عقدت عدة اتفاقيات دولية لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها، ومن هذه الاتفاقيات هي الاتفاقية الخاصة بالرق العام / 1926 واتفاقية منع إعمال الشحن لعام /1930 وبروتوكول منع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال والمكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوصية والذي اعتمد وعرض للتوقيـــع بمـــوجب قـرار الأمم المتحدة في 15 تشرين الثاني 2000 والذي انضم إليها العراق وصادق على الاتفاقية والبروتوكولين المحلفين بها، وبناءً على هذه الاتفاقية تم تشريع قانون مكافحة جريمة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 كجزء من الجهود الدولية والمحلية للحد من هذه الظاهرة ومعاقبة مرتكبيها.
وقال القاضي محمد سلمان القاضي الأول لمحكمة تحقيق الكرخ حسب بيان لمجلس القضاء الاعلى تلقته وكالة الأنباء العراقية (واع): إن "المادة ( 1 / أولا ) منه عرفت بالاتجار بالبشر: تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع واستغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم في أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسي أو السخرة أو العمل القسري أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية". 
وأضاف سلمان: "في هذا التعريف نجد أن المشرع العراقي قد وسع صور استغلال الضحايا لمعاقبة ومحاسبة المجرمين، بل إن المشرع العراقي ذهب إلى ابعد مما جاء في الاتفاقية الدولية حيث أضاف صوراً لم يتم ذكرها في الاتفاقية وهي الاستغلال لغرض التسول أو التجارب الطبية، وذلك لغاية التوسع في تعريف الجريمة وشمول عدة حالات للحد من هذه الجريمة رغم كل هذه الجهود المبذولة سواء على الصعيد الدولي أو المحلي للحد من جريمة الاتجار بالأشخاص إلا أنها مازالت تجارة نشطة وتديرها شبكات واسعة".
وأشار الى أن "القبض على عدة شبكات وأشخاص يقومون بهذه الجرائم مع الإشارة إلى أن القضاء العراقي قد اصدر عدة أحكام ضد عدة متهمين في الاتجار بالبشر كما تم القبض على عدة شبكات متخصصة لهذا الغرض لاسيما أن هذه الشبكات بدأت تكثر في العراق ومنها من يحاول اتخاذ مسميات أخرى لغرض إخفاء نشاطه مثل إنشاء شركة لتشغيل الأيدي العاملة كظاهر الأمر إلا أنه في حقيقة نشاطها هي الاتجار بالبشر في عدة مجالات منها الدعارة أو السخرة أو العمل القسري وغيرها من صور الاستغلال".
وتابع سلمان أن "هذه الجريمة قد ازدادت واتسعت في العراق نتيجة للتطور التكنولوجي وتطور وسائل النقل والاتصال، لذلك فقد تم إنشاء مكاتب متخصصة لمكافحة الجريمة في كل محافظة في العراق ومارست نشاطها منذ تشكيلها لغرض الحد من هذه الجريمة والواقع إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كانت لها الأثر الأكبر في شيوع هذه الجريمة في العـراق لاسيما بعد عام ( 2003 ) وكذلك نتيجة للحروب التي حصلت والنتائج الاجتماعية المترتبة عليها بعد ذلك كان لها الأثر الأكبر في انتشار هذه الجريمة".
 وقد كان لزواج القاصرات في بعض المناطق الريفية التأثير الفاعل في ازدياد جريمة الاتجار بالبشر وكذلك محاولة بعض المتهمين بيع أطفالهم لغرض الكسب المادي مما ساهم في انتشار هذه الجريمة، كما يقول. 
واوضح أن "المشرع العراقي نظم قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم /28 لسنة 2012 وقد شدد عقوبة مرتكبي هذه الجريمة لبشاعتها لاسيما إذا ما ارتكبت ضمن إطار مؤسسة أو جماعة إجرامية منظمة حيث إن المادة (6) من قانون مكافحة الاتجار بالبشر فرضت عقوبة السجن المؤبد وبغرامة مالية لا تقــل عن ( 15000000) خمسة عشر مليون دينار عراقي على مرتكبي الجريمة وقد تصل العقوبة إلى الإعدام في حالة وفاة الضحية إضافة إلى بعض النصوص العقابية الأخرى المنصوص عليها في القانون وحسب ظروف كل جريمة ومن هنا نجد أن المشرع العراقي قد وسع حالات وصور استغلال الضحايا.
وأتم القاضي حديثة قائلاً إن "القضاء العراقي بدوره شدد في فرض العقوبات على مرتكبي الجريمة وذلك كون المتعارف عليه في كل مجالات القانون إن الغرض من إيقاع العقوبة على الجاني في كل الجرائم هو نتيجة اعتدائه على حق معين جدير بالحماية القانونية فمثلاً في جريمة السرقة يفرض المشرع عقوبة على الجاني لاعتدائه على حق الآخر في التملك أو الحيازة وفي جريمة القتل يتمثل الاعتداء على حق الشخص بالحياة وفي جرائم الإيذاء يتمثل  الاعتداء على الحق بسلامة بدن الشخص أما في جريمة الاتجار بالبشر فإنها تستهدف كامل الإنسان وحقوقه لذا تكون من أبشع الجرائم ومن هنا يظهر سبب تشديد القضاء العراقي في محاسبة مرتكبيها".
من جانبه، أوضح القاضي مصطفى عبد القادر فالح النجدي قاضي أول محكمة تحقيق تكريت إن المشرع العراقي أصدر قانوناً خاصاً لهذه الجريمة وهو قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012".
وبين النجدي أن "المجنى عليه في هذه الجرائم هو الشخص الطبيعي الذي تعرض إلى ضرر مادي أو معنوي ناتج عن جرائم الاتجار بالبشر، وترد القضايا الخاصة بجريمة الاتجار بالبشر في أغلبها على صورة الاستغلال الجنسي في قضايا البغاء وكذلك على صورة استغلال الأطفال القاصرين من قبل ذويهم في جرائم التسول التي تعد الاتجار بالبشر عندما يكون الجاني من أصول المجني عليه أو من فروعه أو من له الولاية عليه أو من زوج له حسب ما نص عليه قانون الاتجار بالبشر المشار إليه أعلاه".
وأكد النجدي أن "أعداد هذه القضايا في تزايد مستمر إلا أن الجهات الأمنية والتحقيقية تسعى جاهدة للكشف عنها وإحالتها إلى المحاكم المختصة لكي ينال الفاعلين العقوبات المقررة قانونا لتخليص المجتمع من هذه الآفة الخطيرة والمثال الأكثر وضوحا عمليا ومن خلال القضايا المعروضة حاليا هي جرائم استغلال الأطفال القاصرين من قبل ذويهم في أعمال  التسول".
وأوضح القاضي أن "جريمة الاتجار بالبشر ليس لها مكان محدد أو مدينة ومحافظة تنتشر فيها أكثر من أخرى وإنما تنشط عند وجود فاعليها والتخطيط لها كبقية الجرائم ولكن من الممكن القول إنها تكثر بنسبة اكبر في المدن والمحافظات الكبيرة وتقل نسبيا في المدن والمحافظات الصغيرة وذلك لصعوبة اكتشافها في المدن الكبيرة حيث توجد شبكات متعددة للاتجار بالبشر وتتعدد أساليبها في تحقيق الجرائم".
 ولفت الى أن "لمواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في انتشار جرائم الاتجار بالبشر فمن خلالها أصبح سهلا على شبكات الجرائم المنظمة إدارة ضحاياها وتوجيههم بالشكل الذي يصعب معه كشف شبكاتهم الإجرامية".
وخلص النجدي الى أن "جريمة الاتجار بالبشر قد تجاوزت حدود العراق وانتشرت منه إلى المحيط الإقليمي وهي منتشرة في الدول المحيطة بالعراق وخاصة جرائم الاستغلال الجنسي و المتاجرة بالأعضاء البشرية والتسول".