د . صادق كاظم
يعرف العراق تاريخيا على أنه بلاد الرافدين او ما بين النهرين وهي تسمية إغريقية قديمة تدل على ثراء العراق وغناه المائي والزراعي، ولهذا السبب كان العراق مطمعا للامبراطوريات القوية القديمة التي زحفت بجيوشها للسيطرة عليها، ولعل اشهرهم الاسكندر المقدوني الذي حسم الصراع التاريخي مع مملكة الفرس على أرض العراق في موقعة أربيل المشهورة.
كان العراق في الماضي يعاني من الفيضانات الغزيرة التي كانت حتى العصر القريب في خمسينيات القرن الماضي تكتسح العاصمة بغداد وغيرها من المدن، قبل ان يتم انشاء ناظم ومنخفض الثرثار الذي انهى تسونامي الغرق الذي كان يهدد مدن العراق وقتها بالدمار.
اليوم لم يعد نهرا دجلة والفرات وروافدهما العديدة تهدد المدن بالغرق، بل إن المياه اصبحت فيهما شحيحة لاسباب عدة ابرزها مشكلة انحباس المطر عن معظم مناطق حوض دجلة والفرات لكل من تركيا وايران والعراق وسوريا، حيث لم يعد المطر غزيرا في تلك المناطق حتى يسهم في ذوبان الثلوج التي تسهم في زيادة كميات المياه التي تتدفق لكل الدول في الحوض، اضف الى ذلك فان مشاريع السدود العملاقة التي تقيمها تركيا وهي دولة المنبع قد اسهمت في خفض حصص العراق المائية الى معدلات كبيرة، رغم محاولات الحكومة العراقية اقناع الجانب التركي بمراعاة اوضاع وظروف العراق الزراعية والمعيشية لرفع الحصص المائية من مياه النهرين، حيث ظل الجانب التركي يماطل في تنفيذ الاتفاقات السابقة التي تحدد الحصة المائية المناسبة للعراق، فضلا عن الجارة ايران قد قامت بدورها بتحويل مجرى عدد من الأنهر التي تصب في الاراضي العراقية، بعيدا عنها مما تسبب في تعرض العديد من مناطقنا الحدودية الى الجفاف نتيجة لذلك. وقوع العراق كدولة مصب يتلقى مياهه من تركيا وايران يجعل من موقفه المائي ضعيفا وصعبا والعودة الى ايام الرخاء والوفرة المائية، التي كان عليها العراق في السابق قبل عقود طويلة لم تعد موجودة اصلا والامر يتطلب اعادة التفاوض مع الاتراك بخصوص حصة العراق المائية التي تكفل حقه. حيث إن القبول بالوضع الحالي سيعني موتنا عطشا وجفافا. إذ من المفروض أن تتحرك الحكومة سريعا لممارسة الضغط الدبلوماسي والسياسي لاقناع انقرة بان تلبي حاجات العراق من المياه، اما الصمت وانتظار السخاء التركي فهذا امر ليس صحيحا وسيعني الانتحار مائيا، خصوصا ان لدى العراق أوراقا تفاوضية مهمة ابرزها التبادل الاقتصادي والتجاري والنسب المرتفعة من الصادرات التركية للعراق، والتي لا ترغب انقرة بخسارتها، اضافة الى الجانب الانساني، حيث إنه لا يسعد انقرة أـن ترى جيرانها في العراق يتضورون عطشا في وقت تتخم بطون اراضيها بالمياه.