سعد صاحب
أيُّ مطرٍ يأمره ناظم السماوي بالانقطاع؟ هل هو مطر الفواجع المتسرب في زوايا النفس المعتمة؟ ام نثيث الافكار الغريبة المتسلل في آخر الليل الى أسرتنا القلقة؟ ام رذاذ الأشعار الذي يداهمنا في كل حين؟ أم ترى هو ودق الخيالات المنفلتة؟ إنها امطار غزيرة تتساقط في الرأس والوجدان والضمير، على هيئة هواجس حزينة تشغلنا، وتربك حياتنا الرتيبة، وتحرم ارواحنا من سكونها المعهود. (بيديه جستك يا مطر/ بلور ومطرز ورد/ لاهو بقه ولاهو اعتذر/ صار بحدايق دنيتي/ ورد وعشك فوكه شكر).
زمهرير
البرد يأتي من جهة الهباء، ولا تحصين للجسد من برد الشتاء القارص من دون حبيب، كريم النفس يجود عليك بالحنان والحنو والعطف والمراعاة، ويبقى صدر العاشق المطرز بالندوب والطعنات والجراح، أدفئ مكان لحبيبة تخشى من الزمهرير، فكل النيران غطاها الصقيع، وكل أجهزة التدفئة عاجزة أن تبعث الحرارة، في الجسد الأصفر المشلول البارد.
(ايام جانت والهوى/ اتعدت مثل روجة نهر/ ايام من جاسك برد/ دفيتك بعمري جمر/ يمكن سنة ويمكن دهر).
مطر أزرق
توجد الكثير من الأمطار التي تغرقنا بسيلها الجارف، وتأخذنا الى ضفاف المدن البعيدة، فهناك مطر الطفولة الحلبي، ومطر الشوق الرمادي، ومطر المرح الأبيض الناصع، ومطر الجنون الماروني، ومطر السلام الاخضر، ومطر الموت الأسود، ومطر العزلة الأزرق الفاتح، لكني وجدت مطرا حسيا يهمي من سماء اللذة المشتعلة، ولم اعثر على غيمة واحدة مثقلة بالرؤيا والاحلام والأمنيات، ولم يبلل ثيابي مطر السياب المشحون بالمشاعر الانسانية الصادقة. (بيديه جستك يا مطر/ وبللت خدك والشعر/ وجهك بشوش وسومري/ ونظرتك مو مثل البشر/ احجايات الك جوه الكلب ما تنسي/ ولاكلبي من عدها اعتذر).
مناديل
كنا حفاة نركض في الشوارع المليئة بالطين والحفر، قليل منا يرتدي الحذاء، وهذا التلامس بين الارض والاقدام، ولد عندنا حبا الى الوطن الحالم بسيول جديدة تغسل الصدأ القديم، لم نعرف (الشمسيات) المطرية ولم تلف امهاتنا شعورنا بالمناديل، نمضي ولا نصغي الا لنداء الرعد والصواعق والحبيبات، وكانت الرياح بقربنا تعزف موسيقى الاغتراب، وتحملنا بعيدا عن الديار. (بيديه جستك يا مطر/ بترف اصابع جالثلج/ وطرنه نجمتين وكمر/ و صرنه بسمانه حجايه بجفوف النده/ وبرد الصبح بيها انتحر/ وسويت اديه بس الك/ مركب اكرنفل بالبحر).
صخرة
من المطر ينقلنا الى البحر، وبين الاثنين علاقة وطيدة لا تموت، وموسيقى خاصة تربطهما بوثاق قوي الى الأبد، لكنه مل الاستحمام بماء عقيم، وراح يفتش عن ساحل تلعب فيه مياهه النوارس السعيدة، يبحث عن ساقية يبتني بقربها كوخا من الخشب، مكتفيا بمصاحبة الاسماك الصغيرة والنباتات والطيور، مفضلا صخرة ينادمها على درر لا تطول. (بس يابحر/ رسيني كافي يا بحر/ انطيني كوخ ابدنيتي/ وما ريد من عندك درر).
إخطار
ذهب الصحاب جميعا الى المنافي او القبور، وبقيت وحدي عاريا تحت المطر، ما كان معي سوى القصائد المشرئبة بحروفها الناصعة، وهي تقاوم الأخطار والنسيان و الالغاء، وهي تذكرني بالعمر الذي عبر محطة الطفولة نحو المشيب، وهي توقظ بذاكرتي من جديد ايام الاسفار المتعبة، وهي تعيد بأذني صيحات الاطفال في ذلك الحي البعيد. (ما ريد اكرر هل العمر/ كضيته بس حزن وسفر/ اخر قصيده من شعر/ بيها اكتبت اجمل صور/ وتعدت اثلاثينك بعمري صبر/ مثل الحمامه السافرت/ ما لكت ماي ولا شجر).
عصفور
يحلو الغناء عند هطول المطر، وهذا النواح ينشطر الى جزأين، جزء بكاء على حاضر رديء، وجزء حنين الى زمان مضى، لا يعود بالاغاني الحزينة ولا بقوة النداء، وفي هذا الجو الشتائي الملبد بالأسى، كان يشاركني المواجع عصفور مجنون الجناح، هو مثلي لا يستقر على غصن رطيب، ولم ينم في عش سعيد، بينما نامت الأطيار الاخرى في بيوتها الجديدة. (بيديه جستك يا مطر/ ليلو صرت ملظوم بخيوط الدفو/ خرزه وتبات ويا النحر/ وهذا انه عصفور وجنح/ تعبان ما مره استقر).