عبدالأمير المجر
يقول محمد حسنين هيكل: «الاهتمام بالسياسة فكرًا وعملًا، يقتضي قراءة التاريخ أولًا، لأن الذين لا يعلمون ما حدث قبل أن يولدوا، محكوم عليهم أن يظلوا أطفالًا طول عمرهم».. معروف للجميع أن سيرة البشرية عبارة عن أحداث متوالدة، وأهمها تلك التي تلقي بظلالها طويلا على حياة الناس، ايجابا أو سلبا.. الثورة الفرنسية مثلا، واستقلال أميركا أواخر القرن الثامن عشر، والثورة البلشفية في روسيا وظهور الصين القومية مطلع القرن الماضي، ومن ثم مخرجات الحربين العالميتين.. أحداث كبرى ما زال العالم يعيش تداعياتها حتى الآن، فالحدث لا ينتهي بعد أن يهدأ ضجيجه في الميدان او في قاعات المؤتمرات حين تتقرر مصائر الشعوب والأمم، وانما يبقى حيا لحين حصول لحظة اخرى تستدعيها ظروف مختلفة.. جهل الكثيرين من محللين سياسيين او متابعين يهمهم خلاص العراق من ازمته، بهذه الحقائق، يجعلهم لا يقدمون لمتلقيهم او محاوريهم سوى صورة قاتمة لمستقبل العراق، يمكن أن تقدمها أية ندّابة في المآتم الشعبية، فهم اليوم لا يعترفون بأي تغيير في الواقع السياسي العراقي بعد ثورة تشرين، بل يرونها أخفقت وانتهت! نعم، الصورة المثالية التي نريدها للعراق لا تتحقق بسرعة، لأن مشروع التخريب جرى بهمة عالية واستمر لعقدين تقريبا وتواضعت عليه قوى محلية واقليمية ودولية، لتنتج نظاماً سياسياً فاشلاً، ليكون مقدمة لتقسيم العراق الذي لم يحصل بسبب رفضه محليا واقليميا ودوليا ايضا، أي انه كان هناك صراع بين جبهتين، حتى جاءت ثورة تشرين لتنسف ما تبقى منه في اذهان البعض، وعليه فالتحّول الذي أحدثته هذه الثورة بات على مستوى المنطقة كلها، كونها غيّرت خارطة الصراع الاقليمي والدولي في العراق وعلى العراق وفي الشرق الاوسط كله، اي ان الثورة بمخرجاتها التي يراها البعض غير مؤثرة هي من غيّرت حكومة وأتت بأخرى كمدخل لتغيير شامل سيأتي حتما، وهي التي فتحت كوّة كبيرة في جدار العملية السياسية وغيّرت الكثير من خارطة البرلمان، وبأرضية سياسية ثقافية مختلفة الى حد كبير، آخذين بنظر الاعتبار حجم المقاطعة التي كادت تطيح بحلمنا في بالتغيير وتجعله صفرا! ثورة تشرين وكما كتبت سابقا، هي ثورة وفكرة، أي إنها غير موجهة ضد أفراد بل ضد نهج، وخلقت ثقافة سياسية جديدة سواء من خلال القادمين الجدد للساحة او السابقين، ممن أدركوا أن الاستمرار مع الخطأ، سينتهي بهم حتما الى
كارثة.