د. نازك بدير*
تعرّضت الكثير من الدّول عبر التّاريخ إلى الاحتلال نتيجة أسباب متعدّدة: دينيّة، اقتصاديّة، عرقيّة، سياسيّة، عسكريّة... ولقد ناضلت الشّعوب، ولا تزال، في سبيل استعادة حريّتها واستقلالها. ولكن، هل يزول الاحتلال مع خروج جنوده من البلاد؟، أم يبقى حاضرًا من خلال أدوات، ومؤسّسات، وقنوات، وبرامج، ومناهج، وعملاء؟.
يمكن القول، إنّ الاحتلال العسكري، كما تثبت التّجارب التاريخيّة، على مرّ الزّمن، لا بدّ أن يندحر، وتعود الأرض إلى أصحابها الأصليّين، مهما طالت المدّة الزمنيّة للاستعمار، وبلغَتْ تضحيات الشّعب في سبيل تحرير بلاده من أيّ عدوان يصيبها..
إلّا أنّ ثمّة أزمة تحصل، كما هو الحال في لبنان، على الرّغم من أنّه نال استقلاله منذ 22 تشرين الثاني 1943، إلّا أنّه حتّى اليوم يبدو أنّ هذا الوطن لم يعرف من الاستقلال سوى الاسم، ولم يبقَ من العيد سوى الذّكرى.
عن أيّ استقلال يمكن أن نتحدّث في لبنان الذي منذ تأسيسه إلى يومنا هذا لم يشكّل حكومة بشكل مستقلّ من دون تدخّلات؟، هل ثمّة استقلال حقيقيّ، وشؤون الدّولة تطبخ في الخارج؟، استقلالٌ ونحن على أبواب الانتخابات التشريعيّة في الرّبيع المقبل والحكومةُ في حالة شلل تامّ؟، أيّ ذكرى استقلال ستكون يوم الاثنين المقبل، ولا قرار سياديّ جامعا يوحّد اللبنانيّين؟، أين الاستقلال، والعدوّ يستبيح الأرض، والجوّ، والبحر؟.
في العُرف اللبناني، من قواعد الاستقلال أن يحضر مبعوثو الدّول الغربيّة اجتماعات خاصّة لخلايا الأزمة، وأن يشاركوا في القرارات السياديّة، لا بل أن ينتجوا تلك القرارات في معظم الأحيان، فتمارس الدّولة دور التّابع الظلّ، في حين يتهافت مَن تصبّ مصلحته لملء الفراغ الحاصل، سواء من قبل السّلطة نفسها، أو من أطراف أخرى غيرها.
في المحصّلة، قطعة أرض تتنازعها أطماع صغار وكبار، وتتقاطع فيها مصالح دول، لم تعرف السّلم يومًا. كانت، ولا تزال، طريقًا للحروب والنّزاعات والاقتتال، يتصارع فيها الأقوياء. يحاول كلّ منهم أن يبني دويلة، يتبع محورًا خارجيًّا، شمالًا، وجنوبًا، وفي الجبل، وفي العاصمة، وغاب عنهم أنّ ثمّة رسالة حضاريّة تمثّل الوجه الحقيقي لهذا الوطن، تتطلّب التّضحية لصونها، والمحافظة عليها.
* أستاذة باحثة جامعيّة