أين نحن منك يا رسول الله؟

مقالات
  • 14-11-2021, 07:36
+A -A

  حسين الصدر
 

ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التليكرام
 
- 1 -
من أهم ما يلحظه الباحث في سيرة النبي المصطفى محمد (ص) انه كان شديد العناية بالمستضعفين والبائسين ويسعى وبكل ما يملك من قدرة ومكانة أن يزيح عنهم أثقال الهموم والأحزان، وأنْ يُخرجهم من الضيق الى الفضاء الذين يتنفسون فيه
 الصعداء .
- 2 -
وللبشرية الصالحة بالرسول (ص) أسوة، قال تعالى : (لقد كان لكم في رسول الله أُسوةٌ حسنة)
الاحزاب / 21 
الا أن التأسي بالرسول (ص) أصبح من أخبار التاريخ ، بَدَلاً من أنْ يكون الظاهرة البارزة في مساراتِ أبناءِ أمته!.
- 3 -   
ولا يلقى المستضعفونَ والبائسونَ مِنْ عامة ذوي الشأن والجاه الا العَنَتَ والإجحاف، والاعراض عن الاهتمام الحقيقي بقضاء حاجاتهم، وانعاش أوضاعهم، وهكذا تُركَتْ هذه الشريحة المظلومة لتذوق كؤوسَ الفاقة والحرمان ولا يقع  الاستثناء من ذلك إلاّ نادرا ...
- 4 -
ونحن نكتفي هنا بسرد قضية واحدة تُغني عن الاسترسال في ايراد ما حفلت به سيرتُه المباركة مِنْ حُنُوٍّ ورأفةً بالمظلومين والمحرومين، خاصة ناهيك عن باقي فصولها الملتمعة بكل ألوان العظمة والسمو .
والرواية جاءت في البحار /ج16 /ص 355 فلتراجع هناك .
 
جاء رجل الى الرسول (ص) وقد بَلِيَ ثوبهُ، فحمل اليه اثني عشر درهما فقال (ص): يا علي، خُذْ هذه الدراهم، فاشتر لي ثوباً. 
وقال (ع): فجئتُ الى السوق فاشتريتُ له قميصاً باثني عشر درهما، وجئت به الى رسول الله (ص) فنظر اليه فقال: يا علي، غير هذا أحبَّ اليّ، أترى صاحبهُ
يقيلُنا؟.
فقلتُ: لا أدري 
فقال: انظرُ . 
فجئت الى صاحبه فقلتُ: انّ رسول الله (ص) قد كَرهَ هذا، يُريد ثوبا دُونَهُ فَأَقِلْنَا فيه، فردّ عليّ الدراهم، وجئت بها الى رسول الله (ص) فمشى معي الى السوق لِيَبْتَاعَ قميصاً فنظر الى جارية قاعدة على الطريق تبكي، فقال لها رسول الله (ص): ما شأنك؟ .
قالت: يا رسول الله، انَّ اهل بيتي أعطوني اربعة دراهم لاشتري لهم بها حاجة، فضاعت فلا أَجْسُرَ أرجع اليهم .
فأعطاها رسول الله (ص) أربعة دراهم وقال: ارجعي الى أهلك.
ومضى رسول الله (ص) الى السوق فاشترى قميصا بأربعة دراهم،ولبسه وحمد الله، من كساني كساهُ الله من ثياب الجنة وخرج فرأى رجلاً عريانا يقول: فخلع رسول الله (ص) قميصه الذي اشتراه وكساه السائل .
ثم رجع الى السوق فاشترى بالأربعة التي بقيت قميصا آخر، فلبسه وحمد الله ورجع الى منزله، واذا بالجارية قاعدة على الطريق، فقال لها رسول الله (ص): مالكَ لا تأتين أهلك؟.
قالت: يا رسول الله اني قد أبطأتُ عليهم وأخاف أن يضربوني 
فقال رسول الله (ص): مُرِيّ بين يَديْ، ودليني على أهلك فجاء رسول الله (ص) حتى وَقَفَ على باب دارهم، ثم قال :السلام عليكم يا أهل الدار فلم يُجِيبوه، فأعاد السلام فلم يجيبوه، فأعاد السلام فقالوا: عليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال لهم: مَالَكُم تركتم إجابتي في أول السلام
والثاني؟
قالوا: يا رسولَ الله سمعنا سلامك فأحببنا أن نستكثر منه، فقال رسول الله (ص): انّ هذه الجارية أبطاتْ عليكم فلا تواخذوها فقالوا: يا رسول الله، هي حرّة لِمَمْشاكَ، فقال رسول الله (ص): الحمد لله ما رأيتُ أثني عشر درهما أعظم بركة من هذه، كسا الله بها عريانيْن وأعتق بها نسمة.
صلى الله عليك يا رسول الله يا نبيّ الرحمة تستكثر على نفسك قميصاً باثني عشر درهماً، وتُصرّ على أنْ تشتري دُونه، وأنت سيد الرسل والانبياء، والذين ينتسبون اليك من السلطويين في العراق الجديد لا يرضى ابناؤهم وخدامهم، فضلاً عنهم بأرقى وأغلى منتجات المصانع العالمية من الألبسة، ويستقلون المليارات من الدولارات التي يواصلون نَهْبَها من المال
العام.!
ثم انهم يَحُولون دُون وصول المظلومين اليهم، ويرفضون اللقاء بهم والاستماع الى مطالبهم ..
انهم حصروا أنفسهم في (منطقة محميّة) تحاشّياً من مواجهة مواطنيهم جميعا، بما فيهم الفقراء والمستضعفون.
سيدي:
لقد مشيتَ مع الجارية الخائفة حتى أنقذتَها مما تخشاه، والقوم لم يُنقذوا الشعب مما يعانيه، واكتفوا بتأمين حياة البذخ والترف والسرف لأنفسهم وأهلهم على حساب العراقيين جميعاً من دون وجل ولا حياء ..!!
ان الذين ينادون بوجوب الاهتمام بحقوق المرأة يتناسون او ينسون انك أعظم نصير للمرأة في تاريخ
العالم .
انّك المحامي الاول عن الانسان وكرامته وحقوقه  سواءً كان رجلاً أو أمرأة.
ان مسارك العظيم دَوَّنَهُ التاريخ بكل اعتزاز لِتُطّل على العالم كله مِنْ نافذة العدل والانصاف على مدار الأيام تماماً كما تطل الشمس .