د. أحمد الزبيدي
لم ألتقِ محمودًا عبد الوهاب .. ولم أقرأ له أكثر من (ثريا النص) ككتاب نقدي يتلاقفه طلبة الدراسات العليا في تسعينيات القرن الماضي.. ولعل بعضًا ممن يشبهني في جهلي عنه لا تتجاوز قراءاته له أكثر من ذلك بكثير: لقلتها من جهة، ولندرة الحصول عليها من جهة أخرى. إلّا أن شهرة محمود عبد الوهاب في الوسط الثقافي العراقي لا تقل عن شهرة أي أديب آخر: رفيع أو (عتيق).. غير أنني سأبوح بجرأة عالية ممزوجة بصراحة متناهية عمّا تبقى من تلك الشهرة..
ما كنت أنوي البوح عما يختلج في داخلي من تلك التصورات لولا ما أردفتنا به دار شهريار الغراء من طباعة نادرة لأعمال محمود عبد الوهاب الكاملة؛ وسارعت باقتنائها وأقلّب صفحاتها الأنيقة ولغتها البصرية الساخرة الساحرة.. حينها سألت نفسي عما كنت أعرفه عن محمود! أقول: عرفت عنه، كما عرف كثير من الأصحاب، كيف مازح بائع السمك البصراوي يوم أراد منه سمكة واحدة من نوع (الصبور)، وكيف استفهم البائع لأن عادة البصريين السماكين يبيعونه (زوجا) فساخره عبد الوهاب: (وهل هي حذاء كي تبيعه زوجا)؟، وعرفت ما يعنيه بالمصطلح الطبي (داء الشقيقة)، وعرفت لماذا ترك صورته معلقة في بقايا بيته!! وكيف وصف (ماء زمزم!)، ولعل بعض القراء فهم دلالة تلك الرموز.. ولماذا البعض؟ لأن ما تبقى من محمود عبد الوهاب مجموعة حكايات ساخرة ومفارقات يرويها عنه أصدقاؤه المقربون من البصراويين أو يرويها أصدقاء الأصدقاء وكأن محمودًا مختزل في تلك الحكايا.. لم أسمع يوما رأيا نقديا عن خصوصيته الأسلوبية أو تحولاته أو مرجعياته. صحيح أن منجزاته المطبوعة أو المخطوطة لما تكن متاحة للقراء ولكن كدنا نؤمن نحن الجيل الذي يجر أذنه إلى حكايات الكبار بأن ما يروى عنه هو كل ما تبقى منه ولربما القصة المملوحة بجمال السخرية تغرينا عن معرفة سواها.. يا للجهل النقدي والعجز الثقافي!!.
والأدهى من ذلك حين تقرأ مقدمة الناشر وكثرة من شكره تشعر وكأنك إزاء (مخطوطة) من العصور القديمة عثر عليها في مكتبة ما فحققها محقق حريص على نفض الغبار عن صفحاتها المجهولة.. فشكرا لدار شهريار التي جعلتنا نقرأ لمحمود عبد الوهاب بعد أن كنا (نسمع) عنه فقط قصصا (بحجم الكف).