عبدالزهرة محمد الهنداوي
الموسيقى، ليست غريبة على بابل، وبابل ليست غريبة على التاريخ، إنما هي أثفية مهمة، من أثافيه الراسخة في الارض، وموطن الحضارات الانسانية، تلك الحضارات التي كانت الموسيقى، احد اهم الثمار التي انتجتها، فقد كان البابليون يعشقون الموسيقى ويهتمون كثيرا بالفنون، بمختلف اشكالها، سواء تلك المتعلقة، بالعمارة والنحت والتشكيل والغناء او التراتيل، والترانيم، وسواها من الفنون، التي كانت تمثل غذاء روحيا مهما، وملهما، للمبدعين، الامر الذي يؤكد حقيقة مهمة، وهي ان العراقيين هم مَن اكتشفوا الالات وألّفوا الجمل الموسيقية، فلابناء وادي الرافدين موسيقاهم التي اكتشفوها بأنفسهم، مايؤكد سمو ذائقتهم الفنية.
وعلى مدى احقاب وقرون طويلة من الزمن نشأت الفنون الموسيقية بمختلف الوانها واشكالها، وتطورت، حتى غدت عوالم وعلوما واسعة، لها اصولها وقواعدها ومناهجها العلمية.
ولذلك اقول ان مهرجان بابل بنسخته الخامسة عشرة، واذ ينطلق فوق اديم المسرح البابلي، فإنه ليس غريبا على هذا المسرح، ولا على هذه المدينة التي لم تكتف بالتأسيس للفن والموسيقى، انما هي التي علّمت العالم اصول القوانين، ومبادئ الحكم الرشيد، عبر مسلة حمورابي الشهيرة.
والبابليون، وليس سواهم من علّقوا الحدائق في الهواء، لتكون الجنائن المعلقة، واحدة من عجائب سبع اذهلت العالم، ومن ثم فإن الحديث هنا، يجري بشأن صناعة الحياة، هذه الصناعة التي تأخذ صورا وانماطا شتّى، تختلف باختلاف الثقافات والحضارات الانسانية، وما يميز مهرجان بابل، انه يمثل منطقة التقاء للثقافات والفنون للعديد من الشعوب، في مشارق الارض ومغاربها، كما انه يرسم صورة واضحة ومعبرة وحيّة عن واقع الحياة في العراق، بعد التشوّه والتشويه الكبير الذي لحق بهذه الصورة، فأصبح العراق يمثل صورة للرعب والخوف والجوع، لدرجة ان برنامج الاغذية العالمي، وضع العراق الى جانب الصومال ومدغشقر وبلدان اخرى تتضور جوعا!! وقطعا ان العالم عندما يشارك او يشاهد العراقيين وهم يتسابقون من اجل صناعة الحياة، عندها سيدرك تماما، ان العراق ليس جائعا، وقد نجح مهرجان بابل، في استقطاب الكثير من المشاركات العالمية المهمة، كما ان المهرجان وعبر فعالياته التي شملت الموسيقى والغناء والرسم، والثقافة والزراعة، استطاع فعلا، ان يستوحي الحضارة البابلية المتقدمة، ويعكس بوضوح، قوة العراق، الاقتصادية والثقافية والحضارية، وحتى المعيشية، ومثل هذه الفعاليات ينبغي ان تحظى بالمزيد من الدعم والاهتمام، على المستويين الرسمي والشعبي، لانها تمثل صورة واقعية لصناعة الحياة في العراق.