باسم عبد الحميد حمودي
الأدباء العراقيون يستحقون نوبل بالتأكيد، ليس لأنهم ذاقوا الأمرين من عالم اليوم، وتشرد الكثير من شعرائهم وروائييهم في جهات الدنيا الأربع، أو تشرد بعضهم داخل بلده أو احتمى بمبنى صديق، أو عاش منعزلا خائفا لسنوات، بل لأنهم كل ذلك وأكثر.
نقول ذلك بمناسبة قيام لجنة (نوبل) غير الموفقة باختيار كاتب بريطاني الجنسية من اصول تنزانية ومنحه الجائزة هذا العام عن روايته (الجنة) التي تصور حياة صبي تنزاني باعه والده لاحد التجار تسديدا لدين، فنقله التاجر معه وسط الغابات ومعارك العصابات المتجرة بالبشر.
عبد الرزاق قرنح لم يجترح المعجزات الادبية الكبيرة ولم يصنع جديدا في (صناعة) نصه هذا المألوف المتكرر منذ ألف ليلة وليلة حتى البنية الروائية للتاجر ليفنجستون، وهي نقل العبيد وحتى رواية آتشبي (الاشياء تتداعى) ولو قرأ «الخمسة عشر» محكما رواية (فج الريح) للربيعي بلغاتهم لأدركوا أن الريح قد لعبت بكتلة بشر كاملة أكثر مما لعبت الغابة الأفريقية بيوسف بطل (بارادايس).
ولو قرأت لجنة نوبل المنحازة للتلوين والتغريب روايات برهان شاوي في متاهاته لأدركت أن في العالم أمورا أخرى أشد قتامة من صورة تاريخية لغابة ومهربين، ولو قرأت لجنة نوبل (التي أصيبت يوما بأمراض الهوس الجنسي وتوقفت أعمالها لعام)، رواية (عذراء سنجار) لوارد بدر السالم التي صورت كتلة بشرية معاصرة تعرضت للسبي والابادة لغيرت من قرارها تماما.
إن مشكلة معظم الروايات العراقية – إلا النادر منها- أنها لم تترجم، ولكن لجنة نوبل تستطيع الاستعانة بخبراء لغات لا يعرفها المحكمون ومنها اللغة العربية التي لا بد للجنة من احترام المتحدثين بها ووضع محكمين يتحدثون هذه اللغة أسوة باللغات الاخرى.
لو قرأ محكمو نوبل روايات هدية حسين (الخان أنموذجا) وناطق خلوصي (بستان الياسمين) الباحثة في صراعات القتال الطائفي ومأزق البرجوازية، وقرؤوا للكاتبة ميسلون هادي (شاي العروس) أنموذجا ثم اطلعوا على المشروع الروائي المتكامل للطفية الدليمي وجهود الروائي الكبير عبد الخالق الركابي منذ (من يفتح باب الطلسم) حتى آخر عمل له لأدركوا انهم ظلموا منجزا روائيا ضخما ومهما داخل الادب العالمي الانساني.
ولو قرأ محكمو نوبل ثلاثية (بغداد) لجمال حسين علي التي تصور الوجع الانساني لعرفوا أن مناخا اجتماعيا آخر أهم من غابة عبد الرزاق التاريخية ما زال قائما وبضراوة.
ليس ادب العراقيين الروائي من المعاصرين (وأنا اتحدث من منجم القراءة المستمرة والملاحقة للنتاج الجديد والقديم) باقل قيمة وحساسية فنية ولغة مدهشة تستدعي الوقوف عندها باقل من نتاج المعاصرين الاخرين باللغات الأخرى، فاذا قرأت (ثغيب) لشوقي كريم على وحشية لغتها لادركت أنك تقرأ شيئا جديدا ومعاصرا وغير تقليدي، واذا قرأت الاعمال الاخرى الشابة لعرفت هذه اللجنة المنحازة المتسرعة الشديدة عدم الاهتمام بأدب الشعوب المهمة الضالعة حضاراتهم عبر التاريخ، انها لاتزال تنحاز وتستثني الادب الروائي العراقي المكتنز بالتجارب الكبيرة.
لا شأن لنا هنا بتجارب صاحب (كافكا على الشاطئ) السيد موراكامي، ولا بالكاريبية ماريز كوندي، ولا بمنجز مارغريت اتويد، او كونديرا، فلهم من يتحدث عنهم، ولكننا تحدثنا عن مجموعة من المنجزات الروائية العراقية التي لا تقل شأنا، بل تزيد مناخا وتجربة موجعة شفيفة، ولكنها سيئة الطالع ازاء لجنة نوبل المنحازة التي لا بد لها أن تراجع ذاتها مرات ومرات.