طالب عبد العزيز
كان معرض البصرة الدولي للكتاب (20 - 30/ 10/ 2021) وبالمعايير كلها، الحدث الثقافي الأجمل في المدينة، ولو تزامنت فعالياته مع انعقاد مهرجان المربد الشعري، المؤمل انعقاده في الشهر المقبل لكان الأبرز والأجمل، أما إذا تكرر في دورات مقبلة، وتنوعت الفعاليات الثقافية والفنية المجاورة له، فستكون البصرة قد لبست أجمل أثوابها، وازدانت أكثر، لتكون العلامة الدالة على حاضر واعد، يعدنا بالكثير من نسائم التغيير، بعد سنوات من الخيبة والتراجع والاهمال.
واضحٌ أنَّ صناعة الجمال لا تكلّف الكثير، في حين صناعة القبح باهظة الثمن. وأنَّ سماع قصيدةٍ هنا وأغنيةٍ هناك، وتصفّحَ كتاب في مقهى، وقراءةَ رواية في البيت، وتأملَ لوحةٍ في قاعةٍ مضاءة.. وسواها إنما تؤسسُ لشعبٍ قادر على مواكبة الكون المتعجّل، الذاهب بكليته الى الامام، ولهذه وتلك، تقام في المدن فعاليات ثقافية وفنية كثيرة، ستصبُّ في مصلحة السياسة والاقتصاد والناس بعامة. ولعل الحضورَ اللافت لفعاليات المعرض، ووجود الأسرة البصرية في أروقته كان الدالة التي تؤشر بأنَّ البصرة مدينة تتنفسُ التغييرَ عبر الكتاب، وتؤسس للجمال عبر المدنية المضمرة في نفوس أبنائها، وأنَّ بنادق التطرف والتشدد لم تنل من جسدها المتطلع أبداً للجمال.
غالباً ما تكون الفعاليات الثقافية معياراً لجسِّ نبض الشارع، وفيها يكتشف السياسيُّ الفاشلُ عمق الهوّة التي تفصله عن شعبه، وبين أروقتها يعثرُ على كل ما هو طارد له، فيما يجد المثقف والمهموم بحياة قومه أسوة بالانسان البسيطُ ضالته المفقودة، ويقع على حجم الوهم الذي يعيشه هؤلاء، الذين جعلوا من البلاد ضيعة لجيرانهم، وحديقة خلفية للآخر المتربص، غير المعني بمستقبلها، ووظيفته تقضي بأن يبقى الافقُ منغلقاً على الناس هنا، ففي يقينه أنَّ الثقافة تملك القدرة على استلال همم النهوض، وهي القوة الكامنة في الذات الانسانية، وأنَّ الابقاء عليها ساكنةً، خارج التداول هو السبيل الى خلق أمة تابعة، ذليلة، خانعة، لا يعنيها من أمر المواكبة والتقدم شيئاً.
كان لفعاليات فرقة البصرة للفنون الشعبية والفرق الفنية المصاحبة، والتي تتابعت عقيب الجلسات الثقافية الاثر الجميل في نفوس وزوار المعرض، ولعلها سحبت الكثير من جمهور القراءة الى قاعة المسرح، في تعاضد باذخ الجمال بين القراءة والمعاينة والسماع، حتى تقوّل البعضُ الخائبُ بما تفرزه غدد الحقد في نفسه.
قد تعاني بعض دور النشر من قلة في مبيعاتها، وهذا أمر طبيعي في معارض الكتب، لكنَّ الاكيد هو أنَّ دوراً اخرى حققت مبيعات متميزة، وفي ذلك بيان للجمهور وللقائمين على الادارات المحلية، فمعارض الكتب تكشف أيضاً عن طبيعة وتوجهات السكان في المدن التي تقام فيها، وإذا كانت كتب التشدد والتطرف رائجة في بلاد ما ذات يوم، فكتب الادب والفنون والفكر هي المتداولة والمطلوبة اليوم، وعلى الاساس هذا تتحرك بوصلة السياسة، وتنفّذ الخطط المستقبلية. الكتابُ يصنع
الحياة.