عباس الصباغ
بموجب آليات حرية التعبير الديمقراطية ومزاج الشارع لم تكن مصادفة خسارة رئيس الوزراء البريطاني الاسبق ونستون تشرشل (ت ـ 1965) المدوية في انتخابات (1945) امام غريمه حزب العمال، اي بعد اعلان الفوز في الحرب العالمية الثانية ماشكل صدمة مدوية لهذا السياسي المحنك والحائز على جائزة نوبل والمتربع في الكثير من المراكز الدولية الفاخرة،
وهو الذي قاد بلاده نحو النصر التاريخي على النازية وجاءت خسارته عقب تسجيله لوقائع انتصاره التاريخي على هتلر، وهذا النصر لم يشفع له ولا لخدماته الجلية للشعب البريطاني في تجاوز عتبة الانتخابات، فلم تكن تلك الخدمات التي قدّمها لشعبه (مكافأة) له بعد ان نجح في قصّ جناحي هتلر ووضع حدا له في التوسع والتمدد خارج (مجاله الحيوي)، الذي سبّب دمارا بشريا هائلا راح ضحيته نحو (60) مليون انسان، ناهيك عن اعداد هائلة تفوق ذلك من الجرحى والمعاقين، فضلا عن الدمار الهائل في البنى التحتية والشواخص المعمارية فلم يشفع كل ذلك في تمتع تشرشل بالفوز في اكثر من دورة انتخابية، ومع هذا فلم يتورط تشرشل ولا مريدوه في متاهات نظرية المؤامرة وتخوين الاخرين وتسقيطهم في عيون الراي العام، لأن الرابح والخاسر هو بريطاني ايضا، فاحترم رغبة ومزاج الشعب البريطاني الذي خرج توّا من حرب عالمية ضروس اهلكت الحرث والنسل.
اقول: إن كان تشرشل في مستوى يؤهّله للفوز في الانتخابات ولم يفز فيها رغم خدماته لشعبه ضمن السياقات الديمقراطية، اذ ضمن هذه السياقات والاطر يوجد الرابح والخاسر كنتيجة عرضية لها، فالخسارة لا تعني نهاية الدنيا والربح لا يعني امتلاك كل شيء، فالمهم ان تنجح العملية الانتخابية التي يكون فيها الشعب هو الفائز بموجب هذه العملية فالمشاركة الفعالة فيها هي الفوز الحقيقي كاستحقاق له ويفوز الوطن بموجب هذا الاستحقاق.
المفترض على الخاسر أن يشدّ من ازر الرابح (الشريك في المواطنة) كما يجب ان يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وعدم احتساب معايير الربح والخسارة كقيمة للفشل او النجاح النهائي. فالوطن أسمى من كل اعتبار مادي والابتعاد عن الدهاليز المظلمة لنظرية المؤامرة والتلويح بها في وجه مواطنيهم، كما يفترض بالجانب الخاسر ان يتحلى بروح رياضية براغماتية واحترام رغبة الشارع والاجماع الوطني، ويفترض به ان يمد يده الى الجانب الرابح ويؤازره لانتاج حكومة الوحدة الوطنية، التي تقع مسؤولية تشكيلها على الجانب الرابح والتعاضد من اجل الصالح الوطني العام وهو الهدف الرئيس من الانتخابات ليكون الشعب هو الرابح وليست جهة ما .