حسن السلمان
الآن، وبعد أن انتهت الانتخابات البرلمانية ولم يتبق سوى النظر في الطعون المقدمة من قبل المرشحين لمفوضية الانتخابات لتسويتها، والمصادقة الرسمية على نتائجها النهائية، سيكون أمامنا وقت طويل وصعب لتشكيل الحكومة عبر ما سوف يجري من مفاوضات وتفاهمات ستكون ماراثونية عصيبة على الجميع، بسبب اختلاف التوجهات والأجندة السياسية بين الأحزاب والكتل والعناوين السياسية الأخرى من تيارات ومستقلين، وصولاً لعقد تحالفات لتشكيل الكتلة الأكبر التي ستأخذ على عاتقها تشكيل الحكومة. وعلى ما يبدو أن هذه الدورة ستكون من أصعب الدورات في تشكيل الحكومة نظراً للظروف والمتغيرات والأسباب التي أوجدتها، حيث يقف على رأسها الحراك التشريني ومارافق هذا الحراك من تقديمه لتضحيات جسيمة، حيث مئات الشهداء وآلاف الجرحى وعشرات المخطوفين والمغيبين والذين تم تمت تصفيتهم اغتيالاً، ووصول مستوى الفساد والخراب وتردي الخدمات وعلى جميع الأصعدة إلى مستويات مخيفة. من هذا المنطلق والأسباب ستكون ولادة الحكومة الجديدة ولادة عسيرة، وستأكل من جرف انتظارنا الوقت الطويل في وقت نحن بأمس الحاجة للإسراع بتشكيل حكومة تصحح المسارات الخاطئة، وتعمل على تقديم مشاريع إصلاح حقيقية بعد سنوات عجاف من الفساد والمآسي والمعاناة اليومية، والخوف من الغد المجهول ولن يتحقق ذلك إلا بتغليب مصلحة البلد العليا على المصالح الشخصية الضيقة، بعيداً عن الولاءات الطائفية والعرقية والمذهبية والمناطقية والتأثيرات الخارجية، وأن يتحلى ساساتنا الجدد بالإيثار ونكران الذات وتغليب لغة العقل على لغة الأهواء والإيفاء بوعودهم الإصلاحية، التي قطعوها على أنفسهم لناخبيهم ولعموم أبناء الشعب العراقي، فلا مجال للتسويف والمماطلة والتجاهل والعودة إلى مربع الفساد الأول والمحاصصة المقيتة، والتكالب المسعور على المناصب والمغانم وإعادة تقاسم»الكعكعة»، فقلد بلغ السيل الزبى كما يقال، خصوصاً أن هذه الانتخابات كان ثمنها باهظا جداً، إذ لم تكن لتجري لولا تقديم القرابين السخية من خيرة الشباب العراقي على مذبح الثورة والإصلاح والمطالبة بـ «وطن» للجميع لا لحفنة من المنتفعين وأصحاب «الدكاكين والإقطاعيات السياسية»، والمرتزقة واللصوص، وإذا كان ثمة أولوية في الإصلاح والتصحيح وإحقاق الحق، فدماء الشهداء التي سالت في سوح الاحتجاج هي الأَولى بالكشف عمن تسبب بإراقتها وتقديمه للعدالة لينال جزاءه وفقاً للقانون، فلن يسقط حق الدماء البريئة بالتقادم واللف والدوران والروتين القاتل في عمل لجان التحقيق، ولن نشعر بالأمن والأمان والطمأنينة، إلا بعد أن تخرس أفواه السلاح المنفلت، ويعلو صوت «سلاح القانون» فوق
الجميع.