ميسان- واع- شذى السوداني وعبدالحسين بريسم
تعد ظاهرة انتشار المخدرات وارتفاع نسب المتاجرين بها ومتعاطيها من الظواهر الأكثر تعقيداً وخطورة على الإنسان والمجتمع، وبدأت تأخذ مؤخراً منحى خطيراً في عدد من المناطق والمحافظات العراقية بعد تفاقمها وتوسع مديات انتشارها، حيث تعلن الأجهزة الأمنية بين الحين والآخر القاء القبض على العشرات من تجار المخدرات ومتعاطيها ومروجيها.
ويرى المهتمون بهذا الشأن، بأن تفاقم ظاهرة انتشار المخدرات وتعاطيها يعد أخطر من التحديات التي تواجهها البشرية من أوبئة وأمراض مستعصية لم تجد العلاج الفعال حتى الآن لا سيما جائحة كورونا التي أنهكت البشرية وهي تواصل عامها الثاني في التفشي وحصد الأرواح.
وكالة الانباء العراقية (واع)، سلطت الضوء من خلال استطلاع رأي أجرته مع عدد من الأساتذة والباحثين والأكاديميين والإعلاميين في محافظة ميسان، للوقوف على اهم اسباب هذه الظاهرة وأبرز المعالجات.
عوامل وأسباب تفاقم ظاهرة انتشار المخدرات
الأستاذ الجامعي الدكتور ليث صبار آل كعب، من جامعة ميسان، يقول لوكالة الانباء العراقية (واع)، إن "ظاهرة المخدرات وانتشارها تعد مشكلة العصر وواحدة من أصعب الأمور التي يواجهها العالم، ولها آثار واسعة النطاق على صحة ورفاهية المجتمعات وعلى أمن البلدان أيضاً، كونها تهدد الأمن الاسري بالصميم وتعمل على تفكيك نسيجه".
وأضاف آل كعب، أنه "وفقاً لتقارير عالمية، فإن تعاطي المؤثرات العقلية من أهم عوامل الوفيات المبكرة، حيث يؤدي في كل عام إلى وفاة ثلاثة ملايين شخص ما بين شباب ومراهقين وأعمار كبيرة السن".
ولفت إلى أن "هناك عوامل عدة أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة وشكلت مصدر خطورة لسلوكيات التعاطي للمحفزات العقلية، منها ما يتعلق بمحيط الأسرة والبيئة المحيطة وبيئة المدرسة والجامعات إضافة إلى العامل الاقتصادي وعدم استقرار الأمن المجتمعي ويضاف لها عامل اخر وهو العامل النفسي الداخلي لشخصية المتعاطي وانفعالاته السيكولوجية".
وأكد، أن "هذه العوامل مصدر خطورة على الفرد، بالإضافة إلى عامل اخر مهم جدا وظفة مروجو المخدرات لاستقطاب اكبر عدد ممكن من الشباب الا هو عامل مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي من خلال نشر مغريات معنوية للشباب ترتبط بمفاهيم تشير للقوة والنشاط الجنسي، وأيضا إقناع الشباب بتأثير أنواع المخدرات في القدرة على الحفظ والتركيز في أوقات المذاكرة في أيام الامتحانات وخداع الشباب المراهق بأن بعض أنواع الحبوب هي الحل الأمثل للسهر وعدم النوم"، لافتاً إلى أن "العامل المهم الاخر هو عمل حسابات بأسماء وصور نسائية بهدف إيقاع الشباب في افة المخدرات".
وطرح الدكتور آل كعب، استراتيجية وصفها بالمهمة لتحجيم آفة المخدرات وتقليل خطرها تتضمن "عدة جوانب منها الجانب القانوني بالتأكيد على ضرورة سن القوانين الصارمة بحق مروجي ومتعاطي المخدرات وتطبيقه عليهم ليكون رادعاً قوياً ومانعاً لتلك الافة، اما الجانب الأمني فيتمثل في تعزيز دور المؤسسات الأمنية المتخصصة لمكافحة المخدرات من خلال تعاون المواطنين وتزويد القوات الأمنية بأي معلومات عن ظاهرة التعاطي والترويج والبيع للمؤثرات العقلية، اما على الصعيد الأسري فتشتمل الاستراتيجية على توعية الأسر بتفعيل دورها الرقابي وتحذير أبنائها من خطورة التعامل مع المؤثرات والمحفزات العقلية أو الانسياق وراءها بشتى الدوافع وتفعيل دور المؤسسات التربوية في إشاعة الوعي الثقافي وتغيير مفاهيم الشباب وتعديل سلوكياتهم وإيجاد برامج تخلق بيئة صحية واعية من خلال تكثيف حملات التوعية الصحية والامنية والدينية والتربوية والثقافية التي تعبر عن السلوكيات الخاطئة لهذه الظاهرة وتأثيرها على الفرد والمجتمع ومشاركة وسائل الإعلام المختلفة في ذلك لتوسيع دائرة ونطاق التوعية بالظاهرة".
أما عضو المفوضية العليا لحقوق الإنسان في ميسان، احمد سَتّوري، فيقول في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "ظاهرة تعاطي المخدرات تعد إحدى أهم وأخطر الظواهر الإجتماعية التي يعاني منها المجتمع العراقي وخاصة فئة الشباب لما لها من تأثير سلبي كبير على المجتمع وتماسكه وتأثيرها على الوضع الامني والاقتصادي والاجتماعي".
وأوجز ستوري، عدة أسباب لتفاقم ظاهرة انتشار المخدرات وارتفاع نسب المتاجرين فيها ومتعاطيها، من بينها:-
1- الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي السيء وغير المستقر .
2- التفكك الأسري، وكبر حجم الاسرة وعدد افرادها، وقلة الرعاية الابوية، ووفاة احد الابوين، إضافة إلى الطلاق والسكن في العشوائيات .
3- اصدقاء السوء وتأثيرهم على الشاب وانحرافه صوب تعاطي المخدرات وسهولة الحصول عليها .
4- التسرب من المدراس، والبطالة، وقلة فرص العمل والتوظيف .
5- فقدان الامل والاحباط لدى الشباب في مستقبل مشرق .
6- قلة الوازع الديني والاخلاقي لدى الشباب .
7- عدم فاعلية دور المؤسسات التربوية والامنية والدينية والشبابية في التوجيه والنصح والرعاية والتثقيف .
8- قلة المؤسسات الصحيه التي تعنى بمعالجة المدمنين من مصحات او مستشفيات علاجية .
وأكد، أن "سبل الحد ومعالجة تعاطي المخدرات تتمحور في معالجة حقيقية للأسباب آنفة الذكر، إضافة الى تعديل القانون الخاص بمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، ووضع استراتيجية وخطط واقعية وعملية سهلة التطبيق للحد من هذه الظاهرة التي تنخر المجتمع العراقي وتؤدي الى انحراف الشباب وعدم الاستقرار الامني والاجتماعي".
الجانب الأمني وأهميته بتحجيم الظاهرة
الباحث في مؤسسة الهدى للدراسات، جمعة المالكي، سلط الضوء كيفية الحد من انتشار المخدرات، قائلاً، إن "الجميع يتفق على وجود قوات أمنية متخصصة في معرفة تجار المخدرات وأماكن انتشارها وحتى معرفة متعاطيها ولو بنسبة معينة، وهذه القوات المذكورة تحتاج الى الآليات والاجهزة الحديثة والكلاب المدربة على كشف المخدرات".
وأكد المالكي، في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، على "أهمية مراقبة الحدود بشكل دقيق وضبط منافذ التبادل التجاري والمطارات والموانئ".
ولفت إلى أن "الأمر لا يتوقف عند هذا الحد فمراكز الابحاث والجامعات العراقية لها دور للحد من انتشار المخدرات من خلال اعداد الدراسات والبحوث العلمية".
الفن معالج فعال
ويقول الفنان محمد الخزعلي، إن "هناك دوراً مهماً للفن والفنانين، فأي مشكلة عندما يتم تناولها وتوجيه الرأي العام عليها بأعمال فنية تقدم عبر (المسرح، السينما، والتلفزيون) يكون دورها مؤثرا وراسخا في ذهن المتلقي ".
وأضاف الخزعلي، خلال حديثه الخاص لوكالة الأنباء العراقية (واع): "يضاف إلى ذلك الاستفادة من منصات التواصل الاجتماعي، والفن التشكيلي"، منوهاً إلى أن "هناك تحد يتمثل في أن أكثر المدن العراقية لاتوجد فيها مسارح ودور عرض للسينما وتفتقر إلى العناية بالفن والفنانين".
وأشار إلى ان "المتوفر الان هو فقط التلفزيون ويوجد كم هائل من الفضائيات ولكنها بقدر تبنيها السجالات والمناكفات التي اوجعت رأس المتلقي العراقي ابتعدت عن الاعمال الفنية الممتعة والتي تعالج قضايا كثيرة"، مؤكداً أن "العمل الفني الممتع الهادف هو اكثر تأثيراً في العلاج وتصحيح الاخطاء".
مكافحة المخدرات وتجارها
ويشدد الشيخ فراس المحمداوي، على ضرورة مكافحة ظاهرة المخدرت وتجارها، وتوفير مصحات خاصة لمدمني ومتعاطي المخدرات وعدم الزج بهم في سجون مع تجار المخدرات.
وقال المحمداوي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "زج متعاطي المخدرات والمدمنين عليها في السجون مع تجار المخدرات يعد جريمه كبرى بحقهم لان الأمر سيكون بمثابة تقارب للمتعاطي مع المجرم في مكان واحد"، مشدداً على "ضرورة وجود قانون حازم ضد تجار المخدرات".
وتابع: "لاحظنا تغيراً في القانون وتخفيفاً للعقوبات بحق المتاجرين بالمخدرات وهو ما شجعهم على التواصل والعمل بتجارة المخدرات"، مؤكداً على "ضرورة التشديد في السيطرة على المنافذ الحدودية من قبل الحكومة ومؤسساتها الامنية للحيلولة دون دخول المخدرات بأنواعها من الخارج".
وأردف بالقول: "واما من الداخل فيجب نشر التوعية الصحية والاجتماعية والدينية وذلك بالتعريف بمخاطر تداول تلك السموم سواء بالمتاجرة بها أو تعاطيها ومدى انعكاس تأثيراتها الهادمة للفرد والمجتمع"، مؤكداً أن "حماية بلدنا من خطر شبح المخدرات مسؤولية تشاركية تضامنية بين المجتمع والحكوم".
وختم قائلاً: "خلاصة ما أريد قوله هو ان مكافحة المخدرات التي تمثل حرباً تهدد حياة جميع أبنائنا ولا أحد بمنأى عنها، بحاجة إلى عمل كبير وجاد تشترك فيه شرائح وجهات عديدة من المجتمع ولا يختصر الدور على شرطة مكافحة المخدرات ".
الإعلام ودوره في الحد من تفاقم الظاهرة الخطيرة
ويقول الكاتب والإعلامي صفاء الذهبي، إن دور وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات يجب أن يتطور كما تطورت أساليب مروجي هذه الآفة المدمرة، مشدداً على أنه من غير المعقول أن نواصل العمل بنفس الأساليب القديمة التي ثبت عدم جدواها، وملها الناس وانصرفوا عنها.
وأضاف الذهبي، في حديثه لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "وسائل الإعلام شهدت في السنوات الأخيرة ثورة حقيقية وحققت قفزات هائلة وغير مسبوقة في الأعوام القليلة الماضية، فقد نشأ ما يسمى بالإعلام الجديد (السوشيال ميديا) الذي يقوم على التفاعلية وإشراك الناس في العملية الاتصالية".
وتابع: "ويكفي أن نذكرأن مواقع الإنترنت الإلكترونية تمنح المتصفح قدرة التعليق على المادة التي يقرؤها فهو (مستقبل ومرسل في آن واحد)، أي أن الرسالة لم تعد ملك طرف واحد فقط يرسلها لطرف آخر لا يملك سوى التلقي والقبول بشكل سلبي".
وبين، أن "متلقي الرسالة الإعلامية أصبحوا عنصرا فاعلا بل شريكا في تشكيلها، ومن الضروري الإشارة إلى أننا عندما نتحدث عن وسائل الإعلام في معرض تأثيرها على الشباب، فإننا لا نتحدث فقط عن أهمية الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ولكننا نتحدث أيضا عن الإنترنت والمواقع الإلكترونية وعن الرسائل القصيرة عبر الهاتف المتنقل واللوحات الإعلانية في الشوارع والمدونات، وعن البريد الإلكتروني وغرف الحوار(البالتوك)".
وأردف بالقول: "إذ إن رفيق السوء لم يعد فقط شخصا آخر تتعرف إليه في المدرسة أو الشارع أو المعهد فيؤثر سلبا على حياتك، بل هو أيضا شخص آخر يعيش في الفضاء التخيلي بعيدا عنك، في بلد قد تفصله عن بلدك مئات الآلاف من الكيلومترات ولكنه قريب منك جدا وتعرفه عن قرب، بل وتعتبره صديقك الأقرب والأكثر إخلاصا، رغم أنك لا تعرفه شخصيا ولم تر وجهه، بل تتواصل معه فقط في غرف الدردشة أو الرسائل الإلكترونية، ويمكن لهذا الشخص أن يكون رفيق سوء حقيقيا، فيؤثر على الشاب تأثيرا مدمرا و ويغير من قناعاته ويقوده إلى طريق المخدرات المهلك".
ولفت إلى أنه "في الوقت الذي يحدث فيه هذا الإغواء المدمر للشاب لكي يدخل عالم المخدرات، فإن الأهل الذين لا يشاهدون ابنهم وهو يختلط مع رفاق سوء يعيشون في وهم كبير قد لا يستيقظون منه إلا بعد فوات الأوان".
فيما يقول الإعلامي محمد الغراوي، لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "إن الحقيقة التي يجب التوقف عندها هي أن وسائل الإعلام قد تنوعت وتعددت وازداد أثرها في السنوات الأخيرة، وأي حديث عن أثر وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات لا يشمل هذه الوسائل الجديدة سيظل قاصرا ومنقوصا وعديم الجدوى".
وأضاف الغراوي: "كما أن أساليب نشر وسائل التوعية ضد المخدرات يجب أن تتطور هي الأخرى، فلم يعد مقبولا ولا مقنعا أن تلجأ وسائل الإعلام إلى الرسائل المباشرة التي تدعو لعدم تعاطي المخدرات وتنطلق من موقع تحذير الشباب من مخاطرها".
وأكد، أن "الرسالة الإعلامية يجب أن تكون مقنعة ومدروسة، وكلما كانت استنتاجية وغير مباشرة كان أثرها أفضل؛ فالإنسان لا يحب أن يقال له افعل كذا ولا تفعل كذا.. أما إذا شاهد فيلما أو وسيلة إعلامية تبين كيف أن حياة شاب مثله قد انقلبت جحيما بسبب المخدرات فإنه يستنتج العبرة بنفسه ويخلص إلى النتيجة المطلوبة دون تدخل من أحد".
وبين، أنه "لا شك أن الأثر يكون في هذه الحالة أقوى، فقد تعلم الدرس من تلقاء نفسه ووصل إلى النتيجة بعد أن قام بتحليلها والتمعن فيها، وبعد أن قاده تفكيره المستقل إلى خطر المخدرات".