د. أحمد الزبيدي
يا ترى ما الذي ينفعنا به أدنى تعريف للرواية بمعجم المصطلحات الأدبية الحديثة (هي حكاية مكتوبة بالرومانية، أي باللغة العامية لا باللاتينية) ولو رجعنا إلى معجم مصطلحات النقد العربي القديم ما دلالة المصطلح أكثر من ناقل الخبر القادم أصلا من ناقل الماء؟ إذن لنتفق أن الفن الروائي بوصفه نوعا أدبيا غربيا بامتياز وهو نوع غير ثابت ومتغير الشكل ومن ثم لا يمكن الإشارة سوى إلى بعض ملامحه وسماته. من حيث الشكل يتعلق الأمر (بسرد خيالي لوقائع ملموسة بالتعارض مع السرد التاريخي (غير الخيالي) والخيال التمثيلي (المسرح) والخيالات المتجردة المتمثلة بالابداعات الفلسفية... ومن النقاد من اعتمد المستوى الكمي بما يفوق عدد كلماتها الخمسين ألفا حتى يضمن تمايزها عن القصة ومنهم من ركز على الجانب الوظيفي الذي تضطلع به الرواية ومنهم من اكتفى بمضامينها ومن ثم فإن تنوع التعريفات واختلافها قاد إلى تصور نقدي متفرد وهو استحالة تعريف الرواية وتحديد خصائصها الاجناسية معتبرين أن ضعف التعريف يعود إلى طبيعة الرواية لتميزها بالانفتاح الدائم وقابليتها الشديدة للتغيير ولذلك استبعد باختين التوصل إلى تعريف شامل للرواية فهي الجنس الأدبي الوحيد الذي مازال مستمرا في التطور ولم تكتمل ملامحه حتى الان .. غير ان تاريخ الرواية بالمعنى الدقيق يبدأ في القرن الثاني عشر . بدأ اولا مع الحكايا المقتبسة من ملاحم العصور القديمة .
وفي عصر النهضة أسهم ظهور القصة من جهة والعروضات القائمة على المحاكاة الساخرة للخيالات الوسيطة في روايات رابليه أسهم في اعادة تركيز الخيال السردي على مزيد من الواقعية والتفكير الأخلاقي في الوقت نفسه أدى الظهور الفلسفي لإنسان مفكر متمايز عن الجماعة الى شق طريق للرواية في ميدان التحليل النفسي.. ثم طمحت الرواية أن تكون خطابا معرفيا قادرة في شكلها الخيالي على انتاج ونقل معرفة اصيلة أرادت لنفسها أن تكون تاريخا .. أرادت أن تكون علما اجتماعيا كما أرادت لنفسها أن تكون فنا مستقلا تماما وهكذا تميز القرن العشرين بصياغة شعرية خاصة بالرواية يرمز نتاج فلوبير بهذا الجهد الذي جاء متبوعا بافكار نظرية مسهبة حيث بات هدف الرواية الاول هو الرواية
نفسها..