د. نازك بدير
هل يقرأ أهل السياسة في لبنان بعين العقل ما يجري في العالم، ويعمدون إلى تحليل خوارزميّات التحالفات الدوليّة والمتغيّرات في المنطقة، أم أنهم ينظرون إلى وطنهم نظرة العشيرة إلى ابن الجارية المهدور الحقوق؟
لا أمل في أيّ تغيير أو إصلاح في السّياسة الاقتصاديّة أو المعيشيّة أو في التوجّهات الخارجيّة إن لم يكن ثمّة قرار جامع على إعادة تنظيم البنية العميقة المهترئة للدّولة اللبنانيّة. ومهما حاول بعض أهل الحكم القيام بمبادرات، فهي تبقى في حدود ضيّقة، لكنّها على الرّغم من أهميّتها لا تستطيع أن ترقى إلى الحدّ الذي يطمح إليه المواطن لتستقيم الأمور. إذ لا بدّ من اقتلاع الضّالعين في الفساد، المتغلغلين في مختلف المرافق، المتحكّمين بشؤون البلاد والعباد.
ينبغي أن يكون العمل باتّجاه العمق، وتضافر جهود المعنيين للتّخلّص من المحاصصات، والتّرفّع عن المصالح الخاصّة، والانكباب على برمجة البنية العميقة لتطهيرها من الشّوائب التي لحقتها خلال الأعوام الماضية، ولو تطلّب ذلك تقديم ما يسمّيه البعض {تضحيات وتنازلات}. تاريخ البشريّة يشهد أنّه لا قيامة فعليّة لشعب من الشّعوب إلّا من خلال تغيير جذريّ بنيويّ كامل يطاول المفاصل الأساسيّة الممسكة بزمام الأمور، وتفكيك كلّ ما يتعلّق بها، ولا سيّما في الإدارات العامّة، وتعيين الشّخص المناسب في المكان المناسب، بعيدًا من المحسوبيّات، والحصص الطّائفيّة والمذهبيّة. حان الوقت ليقوم كلّ بدوره، ضمن خطّة متكاملة تضع في سلّم أولويّاتها الإفادة من ثروات البلد، وإمكاناته، والانفتاح على الخارج.
لمصلحة مَن يتمّ تعطيل استخراج النّفط والغاز، ويبقى المواطن أسير العتمة، والمستشفيات رهْن الإقفال، والمرافق الاقتصاديّة مشلولة؟ سيسجّل التّاريخ أنّ جلسة منْح الثّقة لحكومة الرّئيس ميقاتي في قصر الأونيسكو تعطّلت بفعل انقطاع التّيّار الكهربائي، وبحرنا يعوم على مخزون نفطيّ يكاد يضيء شاطئ المتوسّط.
ثمّة فرص متعدّدة لينجو لبنان من الأزمات التي يغرق فيها، لكن لا يتمّ ذلك بمعالجة الجزئيّات، وتلميع السّطوح، والتّلهي بالقشور، وصرْف الاهتمام إلى ما يشبه معالجة الزّكام، في ما البلد يحتاج إلى عمليّة مستعجلة لزرع قلبٍ ورئتين.
أستاذة وباحثة جامعيّة