رعد أطياف
حينما يقع أحدنا أسيراً في كمّاشة الألم نتوسل الممكنات للخروج من هذه المشكلة الذهنية العويصة التي تسارع بتسميم فكرنا ولغتنا وجسدنا. يقع الفكر ضحية التهويمات والأحكام المبالغ فيها؛ تصورات غامضة، أحكام منطقية باطلة، استنتاجات متسرعة.
وتضطرب لغتنا وتقيء أسوأ مفرداتها الضحلة؛ شتائم، سباب، تهكّم.. ويصاب جسدنا بالأعطاب العابرة ويبدو في أسوء حالاته؛ شحوب، ارتعاش، خفقان.. (وفي الحالات القصوى قد نصاب بعاهة مستديمة).
في مواقف كثيرة نفشل بالمواجهة وذلك لاستحكام العادات وصيرورتها هوية متأصلة لنا بحيث لا نشعر بوجودنا إلّا من خلالها. لكن المهم هي تلك الحالة التي نحاول من خلالها عبور الألم ذلك أن وجودنا تعرّض للخطر، إذ يواجه بعضنا هذه الحالة المشينة، محاولًا استدعاء آلية لعبورها والشفاء منها ولو على نحو
مؤقت.
لم نتألم وحدنا فحسب بل سنعمد إلى إيذاء الآخرين بحكم ترابط الانفعالات في ما بينها، ونغدو كما الثور الهائج يهاجم كل من أمامه، ونستدعي كل الأفكار الغاضبة لخلق بيئة ملائمة لحالتنا النفسية المرتبكة، ذلك إن الأفكار تنجذب لما يشابهها؛ فستعمد إلى الرجوع لذاكرة الماضي النفسية للبحث عن قصص قديمة تعزز هذا
الانفعال. إن كانت ثمة تصفية حساب مع شخص قديم فهي ملائمة الآن للظهور من جحرها النفسي حتى لو كان هذا الشخص ميتاً المهم أنها تولّد بيئة ملائمة لعصابنا النفسي!. وبهذا الجنون المرعب تتشابك حزمة نفسية كثيفة ومؤلمة، ويغدو كل شيء، في الذهن وفي الخارج، رمادياً كئيباً.
في هذه الاثناء، وكما ذكرت أعلاه، نتوسل الممكنات للخروج من هذه اللحظات الجنونية. هذه اللحظة بالذات، اي محاولة التخلص من الألم، هي، ربما، أجلى حالات التعاطف!. إنها لحظة تعاطف ورحمة هائلة على الذات ( وعلى الآخرين في مستويات معينة)، لذلك نسعى جاهدين للتخلّص منها عبر استدعاء اللطف والرحمة، مثلما نستدعي اللطف والرحمة حين نشاهد أشخاصاً يعانون. في اشد حالات الكرب النفسي لا نتخلى عن اللطف والرحمة؛ إننا نستدعيها ونتوسلها من أجل العبور الآمن بأقل خسائر
ممكنة.
أنا أحاول عبور الألم إذن أنا استدعي اللطف والرحمة. خلاصة الموضوع: إن اللطف والرحمة من الضروريات وليست من الكماليات!، بدليل، إن صح الاستنتاج، إننا نستدعيهما لعبور حالاتنا النفسية المختلّة. مررت بالكثير من هذه الحالات المشينة، وحينما أستيقظ من هذا الكابوس المضحك أصاب بالخجل، حتى إني لا أقوى على مواجهة نفسي في المرآة!. ولو كنت شجاعاً بما يكفي لأخبرتكم عن كل المشاهد الكوميدية التي تحدث في ذهني المسكين، لكنّ الله يحب الساترين!.