قاسم موزان
تنطلق هذه المقالة من بديهية فحواها يشير الى أن العراق دولة قائمة بذاتها وحضارتها غائرة في القدم، فهي مهد الحضارات الانسانية وشكلت قوة تأثير لافتة بين الحضارات القديمة الاخرى، وانجزت عبر مراحل تاريخها الانجازات العظيمة، الا أن الغبن الجغرافي جعل هذا البلد المعطاء أن يقع غير مرة في دائرة الصراعات المهلكة، حيث تعاقبت على احتلاله امبراطوريات ودول طامعة في خيراته اولا ثم استعباد شعبه ثانيا. ولعل النموذج العثماني في حكم العراق كان الأسوأ عبر تاريخه من الخراب والدمار لقرون طويلة، فبعد انهيار الدولة العثمانية جاءت القوات البريطانية الى احتلال العراق وحسب اتفاقية سايكس بيكو 1916 لتقاسم الهلال الخصيب بين بريطانيا وفرنسا. واصبح البلد من نصيب بريطانيا العظمى ليخرج العراق من خراب الولاة الى فضاء الحرية المزعوم. وكان العراقيون يأملون بالاستقلال، الا انه لم يتحقق شيء في هذا الصدد، قوبل الاستعمار الجديد القادم من الغرب بمواجهات العشائر العراقية في ثورة العشرين، التي مهدت بعد نجاحها الى صياغة نموذج اخر في السياسة، مفاده بأن من الصعوبة حكم العراق بشكل مباشر او فرض اشتراطات على شعبه.
تأسست الدولة العراقية في مؤتمر القاهرة، الذي عقدته المملكة المتحدة في اذار مارس 1921على خلفية نجاح ثورة العشرين وتكبد القوات الغازية الخسائر الكبيرة، وأقر بموجبه انشاء دولة ذات حكم ملكي وتم تأسيس مجلس تأسيسي برئاسة عبد الرحمن النقيب، ثم رئيس للحكومة الانتقالية من مهامها تنصيب ملك على عرش العراق، وفي 23 آب 1921 اصبح الامير فيصل بن حسين ملكا على العراق بعد اجراء استفتاء شعبي، وهذه صفحة جديدة في تاريخ العراقيين الذى مضى على مروره مئة عام.
كانت بوادر ايجابية افرزها العهد الملكي الجديد بتشكيل الوزارات التي لم يعرفها العراقيون سابقا، لتسيير شؤون الدولة وكذلك تاسيس مجلسي نواب اعيان بانتخاب ديمقراطي اولي، كما اقر بتشكيل الاحزاب السياسية على الانماط الغربية لمراقبة الاداء الحكومي، ووفق هذه النجاحات اللافتة تمَّ في العام 1924 التصديق على معاهدة 1922، التي اقرت باستقلال العراق ودخوله عصبة الامم المتحدة وحسمت قضية
الموصل.
الا ان تلك الفترة الممتدة بين 1921 لغاية العام 1958«سقوط الملكية» لم تخل من الصراعات السياسية والخلافات البينية والانقلابات الدموية والانتفاضات الشعبية المعارضة للاتفاقيات المجحفة مع بريطانيا، لترسيخ وجودها وتقييد العراق بمعاهدات تحرمه من استثمار ثرواته، وادى تعدد رؤساء الوزراء الى اضعاف الدولة، ثم تنامى الشجب لدى الشعب لتجهض هذه المملكة بثورة 14 تموز 1958 وجرى بعدها ما جرى من مآسٍ وكوارث.