حمزة مصطفى
لم يكن مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء قاسيا إنسانا أو حاكما، لكن من «حرقة قلبه» وقلوبنا معه واجه قاتل الشهيد عبير الخفاجي مدير بلدية كربلاء قائلا له «انت مجرم». لا أحد يعرف كم كانت ذاكرة القاتل تنزف في تلك اللحظات، طبقا للوصف المذهل الذي عبر عنه الشاعر الراحل عبد الوهاب البياتي «من يوقف النزيف من ذاكرة المحكوم بالإعدام قبل
الشنق».
لم يشنق قاتل عبير بعد، لكن كل المؤشرات تدل أنه في طريقه ليس الى الشنق فقط بل أن يكون التنفيذ في مكان وقوع
الجريمة.
لحظات قاسية على الجميع كانت تلك التي شاهدها العالم والقاتل يشهر سلاحه ذا الحد الواحد، ليوجهه صوب موظف يقوم بعمله الطبيعي في بلد لا يراد لأحد أن يؤدي فيه عمله بصورة طبقا للقانون. ولحظات مرعبة على القاتل وهو يسمع «ترس إذنه» مفردة أنت «مجرم» يصوبها نحوه رئيس الوزراء. صحيح أن ذاكرته كانت تنزف لحظتها لكن ربما طرق له نزيف «صفح» بشأن مدلول مفردة «مجرم» كونها الأكثر قسوة بين مفردات اللغة.
لكن لماذا هذا الذي حصل؟ لأننا مهووسون بالسلاح من «قالوا بلى». حين نريد الإتيان بمثل نلجأ الى السلاح قائلين.. هذا سلاح ذو
حدين.
وحين نريد إطلاق وصف على أحد بلغ من الكبر عتيا نقول «عمر تفكة». وحين نريد المفاضلة بين السلاح وبين أي شيء آخر حتى لو كان أعز الناس نقول له «بيع أمك وإشري البارودة». وحين جاء ابنها ملفوفا براية العشيرة في ثورة العشرين قبل علم الدولة المختلف عليه منذ مئة عام قالت أم الشهيد «إبني المضغته البارود مفطوم على سركيها». أشهد أن هذا موقف بطولي عظيم جرى التعبير عنه ببيت شعر يهز قارئه وسامعه من الأعماق لكن في النهاية القاسم المشترك هو البندقية أي السلاح.
لحظة مشاهدتي القاتل أمام رئيس الوزراء في مشهد سيبقى عالقا في ذهن أطفال أطفاله على مدى عقود، إن لم أقل قرونا قادمة تساءلت مع نفسي.. لو لم يكن هذا الرجل يحمل سلاحا ماذا كان يحصل؟ أقصى ما كان يمكن حصوله هو «عركة» بالأيدي سرعان ما يتدخل فيها طبابو الخير وتفض بأية طريقة غير القاتل
والمقتول.
لكن هذه هي مصيبة السلاح حين يكون. ذا حد واحد.