د. علاء هادي الحطاب
تعيش منطقتنا العربية والاسلامية اجواء توتر واحداثا متسارعة كبيرة جدا، ففي كل بلد من بلدان جوار العراق و الوطن العربي والاقليم هناك جملة ازمات داخلية ترمي بضلالها على طبيعة هذا البلد مع جواره او غريمه او منافسه او عدوه التقليدي الثابت او المصلحي المؤقت، هذا يعني ان الاستقرار الداخلي غير متوفر لاغلب دول جوار العراق، فها هي الاردن ذات النظام الملكي الدستوري شهدت قبل اشهر شبه انقلاب عسكري من اقرب مقربي الاسرة على الحكم، ووضع تركيا اليوم في ظل ارتفاع سعر صرف الليرة ازاء الدولار وتوسع رقعة المعارضين لنظام الحكم وسلطة أردوغان تزداد سوءا يوما بعد يوم، فضلا عن لهيب الحرائق الذي بات وما يزال يحرق الاخضر واليابس، الحال في ايران ليس بأفضل حالاته بل ربما في اسوئها لانها تعاني منذ سنوات من ازمة وحصار اقتصادي خانق، ونظام حكم شديد المركزية لا تتناسب ايا من اشتراطاته العملية مع التغيير الكبير الذي حدث ويحدث يوميا في ايران، فضلا عن انشغالها الكبير بملفات خارجية لدول عديدة كالعراق وسوريا ولبنان واليمن وحتى بعض الدول الافريقية الامر الذي انعكس على الحد الادني من مستوى الرضا والقبول الداخلي من قبل الشعب المستَهدف بهذه السلطة، حال سوريا ولبنان هو الاخر الاسوأ اقتصاديا وامنيا وحتى اجتماعيا، اما دول الخليج فصراعها الافقي المخبوء تحت الطاولة مستمر بشكل ناعم سواء في الكويت او السعودية او الامارات وقطر، وحال مصر والسودان واثيوبيا لا ينبئ بحل مستقبلي لمشكلة سد النهضة، اما تونس والمغرب والجزائر وليبيا واليمن فهي الاخرى تعاني من مشكلات كبيرة جدا تهدد استقرارها الداخلي.
ما اردته من خلال استعراض ازمات هذه البلدان، هو الوصول الى نتيجة مفادها ان اي ازمات داخلية لبلد ما تنعكس على جواره ومحيطه ومنطقته بالكامل بسبب غياب الحدود فعليا وتداخل الثقافات وانتقالها، كذلك انتقال الطموح والآمال واسلوب تفكير الشعوب ونظرتها لسلطاتها وانظمة حكمها.
العراق يقع في اطار جميع مشكلات دول جواره وتنعكس عليه ازمات دول ما بعد الجوار بطريقة واخرى فعندما يرى ويسمع الشارع العراقي ما يحصل في تونس وان كان في منطق "السياسة والقانون" انقلاب على الديمقراطية يختلف بين مؤيد وراغب بذلك وبين متحفظ رغم ان تونس بعيدة مكانيا وثقافيا عن العراق، فكيف ستؤثر مجمل الاحداث التي تحدث في ايران او تركيا او سوريا والسعودية والكويت وغيرها الاقرب جغرافيا وثقافيا فينا؟ حتما سيكون التأثير كبيرا جدا.
لذا فان البقاء مكتوفي الايدي إزاء تحويل ارض العراق الى ساحة صراع بين دول ومخابرات دول اخرى تسعى لتصفية حساباتها على حساب امننا واقتصادنا وسياحتنا وخدماتنا، فهنا نحن كنظام سياسي بكل ما يحتويه المفهوم من مصاديق نعلن فشلنا في تأمين الحد الادني من الاستقرار الداخلي الذي يجلب معه الخدمات والكهرباء والسياحة والامن والثقافة والتعليم والصحة وجميع الانشطة والفعاليات التي توفر حياة كريمة للمواطن.
وهنا على رعاة النظام السياسي ان يفكروا ويعملوا باجتهاد واخلاص على ابعاد العراق الى حد ما عن ارتدادات ازمات الجوار والمنطقة، او على الاقل تحييد ما يمكن تحييده من وجود التداخل الخارجي في قرارنا الداخلي وهذا يحتاج قبل كل شيء الى ولاء كل رعاة نظامنا السياسي الى هذا النظام وبلدهم قبل غيره.