د. نازك بدير*
أين تكمن الأزمة اللبنانيّة؟ هل هي فعلًا في عدم تشكيل الحكومة، وفي الصّراع على عدد الحقائب وعلى تسمية الوزراء؟ أم ثمّة عقدة أكثر عمقًا تطاول البنية العميقة للدّولة؟ وماذا عن سلسلة مساعي الدّولة الفرنسيّة بدءًا من زيارة ماكرون للبنان، وصولًا إلى نشاط السّفيرة الفرنسيّة؟
بالنّسبة إلى الجولات الدّيبلوماسيّة التي يقوم بها مؤخّرًا الرئيس المكلّف سعد الحريري، فهي، وإن تعدّدت، يبدو لن تؤتي أُكلها. لعلّ الحلّ الجذريّ للأزمة لن يكون من خلال الاستشارات، واستجداء وعودة الدّعم الخارجي فحسب، ولن يتحقّق ما لم يُعقَد مؤتمر موسَّع يبحث بشكل جديّ على طاولةٍ يجتمع فيها أقطاب الحلّ والرّبط، ويجترحون اتّفاقًا لإنقاذ لبنان.
بعد الانهيار المالي الذي شهدناه، والانهيار الاقتصادي، وكذلك الانهيار الاجتماعي الذي تفشّت تداعياته في المناطق كلّها، سيكون من الصّعب جدًّا تحمُّل عواقب الانهيار الأمني إذا ما وصلنا إليه. ممّا تقدّم، يبدو ليس من مصلحة أيّ طرف ترْك الأمور على غاربها، إنّما في بلدٍ تجاذباته كالتي نشهدها، يفرض، ولو تأخّر الوقت، التّداعي للخروج من هذا المستنقع.
لعلّ وضع لبنان الحالي يشبه إلى حدّ بعيد البركان {النَّشِط}، إذ على الرّغم من تحذيرات المراقبين، في الدّاخل والخارج، من خطورة الوضع، فإنّ طبقاته الداخليّة لا تزال تتفاعل وتنصهر بسرعة تمهيدًا للانفجار الكبير، يغذّيها الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدّولة المهترئة، وانعدام المحاسبة.
ولقد بدأت سحب الرّماد والأبخرة السّامة بالانبعاث. المواطنون بدورهم مبعثرون على حافّة البركان، كلّ منهم يتلقّف سَيل الحِمم، يتشظّى بفعل الزّيادة في ضغط الصّهارة، يرى بأمّ عينه جلّ ما بناه على مدى ليال وقد استحال رمادًا، استفاق ليجد كلّ ما ناضل من أجله مجرّد هباء تطاير كنثرات فحمٍ غبّ
احتراق.
لكن، هذا المواطن نفسه، وكلّ فرد في هذا البلد، هو مشروع بركان، لا بدّ من أن يحوّل الفاسدين جميعهم فقاعات ثاني أوكسيد الكربون.
وكما يطرح البركان ما في أعماقه إلى الخارج، وتتطاير السّموم وتبقى الأسمدة في الأرض، كذلك، فلتكن فرصة لتطهير الوطن وخلاصه.
كاتبة وأكاديميّة لبنانيّة