عبد الحليم الرهيمي
تمر هذه الايام الذكرى المئوية للثورة العراقية الكبرى التي أطلقها العراقيون ضد الاحتلال البريطاني بدءاً من 30 حزيران عام 1920 والتي استمرت نحو خمسة اشهر، حتى تم القضاء عليها بحملة عسكرية غاشمة لقوات الاحتلال وإرغامها من ثم على توقيع وثيقة استسلام في 12 تشرين الثاني من العام نفسه.
لقد حظيت هذه الثورة منذ انطلاقتها وخلال القرن المنصرم باهتمام كبير في الدراسات والتقارير التي كتبت حولها في العراق وخارجه والتي قدمت عرضاً مستفيضاً لوقائعها وتحليلاً لأسبابها ودلالاتها، واجتهد الكثير منها في التأشير الى ما لها وما عليها من مآثر وبطولات ونجاحات، ومن اخفاقات واخطاء في الوقت نفسه، فقد عبرت وبشكل جلي عن شجاعة العراقيين وبسالتهم في مقاومتهم للاحتلال الاجنبي، كما عبرت المشاركة الواسعة لمعظم مناطق العراق ومن مختلف اطياف الشعب العراقي وكياناته الاجتماعية والثقافية عن الروح الوطنية العالية التي اشارت بدورها الى الارهاصات الاولية لتشكل الهوية الوطنية العراقية التي كاد الاحتلال العثماني لاربعة قرون أن يطمس معالمها.أما المآثر المهمة الاخرى للثورة فتمثلت في احباط مشاريع الاحتلال وخططه لـ(تهنيد) العراق وتأسيس ادارات محلية موالية له لحكم العراق، فضلاً عن اسقاط مخطط الحكم البريطاني المباشر للعراق.
غير ان هذه المآثر الوضاءة للثورة التي حظيت بالاشادة والتمجيد والاطراء رافقها ايضاً الوقوع بعدد من الاخطاء والتقصير في انجاز بعض القضايا المهمة.
فبينما قصرت في تشكيل قيادة عسكرية سياسية موحدة تضبط ايقاعات المقاومة العسكرية في ميادين الثورة، كان الخطأ الكبير الذي وقعت فيه هو رفض التفاوض مع ادارة الاحتلال. ففي الوقت الذي كانت فيه الثورة في أوج قوتها وجه نائب الحاكم المدني الى قيادات الثورة ثم الى المرجع الديني بالنجف الامام شيخ الشريعة دعوة للتفاوض والاتفاق على وقف القتال ومطالب الثوار، لكن هذه الدعوة رفضت وبرز اتجاهان تغلب فيهما الاتجاه الداعي لمواصلة القتال والذي مثله بعض شيوخ العشائر وعدد من رجال الدين الذين مارسوا الضغوط على المرجع الذي كان يميل للتفاوض، لرفض الدعوة رغم تأكيد نائب الحاكم المدني الدعوة مرة اخرى.
وقد نجم عن ذلك تحشيد لقوات الاحتلال لامكانياتها العسكرية لتقوم بهجوم واسع وقاس على الثورة اعتباراً من (12) تشرين الاول حتى فرض عليها توقيع الاستسلام في 20 تشرين الثاني، وبذلك ضيعت فرصة مشاركة قيادة الثورة في تأسيس الدولة الجديدة بظروف افضل يتحقق فيها، أقله، بعض المطالب المهمة للثورة واستمرار المطالبة ببقية الاهداف وفقاً لمبدأ (خذ وطالب).