د. كريم شغيدل
مهما كانت السرعة التي تقود بها مركبتك على جهة اليسار ستجد من يؤشر لك للتنحي ليجتازك، من دون أي اعتبار لما يسمى بالسرعة القصوى المحددة(100 كم في الساعة)، أن يجتازك من اليسار فهذا فضل منه، لكن على الأغلب أصبح الاجتياز من اليمين هو القاعدة، فكثيراً ما تفاجأ بوجود مركبة تخطف أمامك بسرعة البرق، وهذه طبعاً مخالفة مرورية في جميع أنظمة السير في العالم، ويتحمل قائد المركبة عقوبة مالية وإجرائية جراءها، كحجزه أو حجز مركبته أو سحب إجازة القيادة، لأنها تتسبب بحوادث يومية كثيرة وخطيرة، سواء في الطرق الخارجية أم داخل المدن، والمصيبة أن من تنبهه على هذا الخطأ الجسيم تجده يسخر منك بكل
صفاقة.
وهناك مخالفة أخرى أكثر خطورة هي السير في الاتجاه المعاكس، أو الاستدارة كيفما اتفق، فضلاً عن مخالفات أخرى عديدة يعاني منها الشارع العراقي إلى درجة تبلغ مستوى الفوضى، كلما ابتعدنا عن مراكز المدن، بما فيها العاصمة، فإذا قلنا هذه الفوضى سببها غياب القانون، فهذا أمر ليس دقيقاً، لأن القوانين قائمة ونافذة، وإذا قلنا سببها غياب قوة التطبيق، فليس الأمر بأقل دقة، وإذا قلنا سببها المواطن، فلسنا على صواب، لأن الأمر مشترك، فالقوانين تربية قبل أن تكون أحكاماً قسرية، والقوانين وعي بالأهمية التي يمثلها القانون ويرمي إليها، وهي تنظيم الحياة وسلامة الإنسان، وهي أيضاً تحتاج إلى قوة التنفيذ، فالإنسان بطبعه يطبق قاعدة (خالف تعرف) وميال للتمرد على القوانين التي يعتقد أن مصدرها الحكومة التي لم تلبِ مطالبه، ولم تمنحه فرصة عمل، ولم توفر له سكناً للعيش الكريم، ولم تعطه من ثروات بلاده ما يستحق، بل تذهب إلى جيوب السراق.
ما يحدث في الشارع من فوضى وتجاوزات على القوانين البسيطة هو ذاته ما يحدث في أروقة السياسة العراقية، حتى في تشريع القوانين، وفي اتخاذ القرارات المصيرية، وفي محاسبة المفسدين والمتجاوزين على هيبة الدولة، ومثيري الفتن، ومرتكبي جرائم القتل والخطف، بل إن دول الجوار لا تزال تجتازنا من اليمين، ضاربة بعرض الحائط كل الاتفاقات والمواثيق الدولية، ومن يتحدث بالقوانين يصبح موضع سخرية، لأننا لا نمتلك قوة
تطبيقها.