حمزة مصطفى
أن ينتقد طبيب اللغة المتداولة في دوائر الدولة أمر محمود. الأطباء وإن كانت لغتهم الراجيتية غير مفهومة الإ للصيدلي لكن في الذاكرة العديد منهم نبغوا في الشعر والقصة والرواية والفن التشكيلي، من صبري القباني السوري الى علاء بشير العراقي ومصطفى محمود المصري والقائمة تطول وتتسع. الطبيب المقصود لأغراض هذا المقال هو الطبيب المقصود والمدير عام لصحة الكرخ الدكتور جاسب الحجامي، الذي انتقد على صفحته بالفيس بوك تقريرا طبيا لإحدى المؤسسات الصحية وردت فيه عبارة «حسب الضوابط» مكتوبة «حسب
الظوابط».
الحجامي نعى سيبويه على هذه «الدكة» اللغوية غير العشائرية. كل شيء ولا «الدكات العشائرية» خصوصا بعد أن أصبحت عابرة
للمحافظات.
أتاح لنا العالم الرقمي الإطلاع على ما يرتكبه عدد كبير من المسؤولين نوابا ووزراء ومن هم بدرجتهم من مجازر لغوية. ربما ما يدونونه في «تويتر» و«الفيس» وربما البيانات يخضع للتدقيق اللغوي لكن ما يكتبونه في مواقع التواصل من دون حسيب أو رقيب يرقى الى مستوى «الجينوسايد اللغوي». البعض منهم ينزعج حين تأخذك الحمية على سيبويه وهو «رجال» غريب وتعب معنا وتصحح له مفردة كأن يكتب «أرجوا ويقصد أرجو» أو «أدعوا ويقصد أدعو» أو «الظوابط ويقصد الضوابط» و«التظليل ويقصد التضليل» والبون بينهما شاسع، وماشاكلها من مفردات لها معان ودلالات يتغير معها المعنى والمبنى كليا في حال تغير الرسم أو السياق. الذي ينزعج يرى أنك حين تتدخل لأغراض التصحيح إما «تتعيقل» لأنك تعرف كم مفردة أو «تتفلسف»، أو قد يذهب الى نظرية المؤامرة «البعض يكتبها نضرية دون أن يرف له وللي خلفوه جفن» بأنك تريد تسقيطه خصوصا نحن على أبواب الانتخابات وقد تكون مجندا في جيش
الكتروني.
اللغة ليست مجرد مفردات مرصوفة تؤدي معنى، بل هي كائن حي له مالكل كائن حي من مشاعر وأحاسيس ووظائف تختلف حسب السياق والدلالة لا حسب الضوابط أو بلغة بعض دوائرنا «الظوابط». فالمعنى جزء من سياق عام تؤدي اليه الجملة لا منفصل عنها. وبالتالي فإن المعنى لا يصل مع مفردة تكتب بالغلط. فالضلال تعني التيه والابتعاد عن الطريق المستقيم. فـ «المنقذ من الضلال» لأبي حامد الغزالي يختلف عن «في ظلال القرآن» لسيد قطب. الدلالتان متضادتان تماما. ديروا بالكم تكتبوها «متظادتان» لأنها سوف تكون «خارج
الضوابط».