حميد المختار
عودة ثانية إلى (كارلوس زافون) و هذه المرة إلى اعماله القصصية الصادرة حديثا بعد رباعيته العظيمة التي أحدثت دويا هائلا في عالم السرد في العالم اجمع، زافون عبقري السرد وكيخوتة الجديد الذي أحيا معنى أن يكون الكاتب عظيما، رواياته فروسية وروحه اسبانية بامتياز، لذلك أدخل (برشلونة) مدينته في عمق التاريخ وصار يرسم كل خطوة خطاها على أرضها وفي بناياتها وظلامها وانوارها بنسائها ورجالها، أحلامهم وذكرياتهم واوقات الوداع في حلكة ليل بهيم، وهذه القصص حين تفتح لك عوالمها ومنذ القصة الأولى (بلانكا والوداع) التي يفتتح بها هذه المجموعة من القصص المبهرة تدعوك إلى الايغال والتأمل ثم تتوالى القصص (بلا اسم، فتاة من برشلونة، وردة النار، أمير بارناسوس، أسطورة من أجواء الميلاد، أليثيا عند الفجر، رجال باللون الرمادي، امرأة من بخار، غاودي في مانهاتن، القيامة في دقيقتين) والعجيب في هذه القصص انها تظل دائرة في أجواء ومناخات بل وشخصيات رباعيته الكبيرة منذ مقبرة الكتب المنسية إلى متاهة الأرواح مرورا بلعبة الملاك وسجين السماء، هذه القصص هي عتبات روايات كان يمكن أن يستمر في كتابتها لينجز أجزاء أخرى من رباعيات جديدة، لكنه آثر ان ينهيها كنص قصصي قصير مغمس بأجواء رواياته في الإثارة والروح التاريخية والنفس القوطي وكذلك الرومانسية مرورا بروح روايات النشوء لتظل عوالمه مميزة بتفرد عجيب لا يشبه فيها أحدا، والمحزن في هذا كله انها آخر قصصه التي جمعوها له والتي كتبها ورحل إلى جوار ربه متأثرا بمرض السرطان اللعين تاركا إرثا ثرا واعمالا عظيمة على الورق من غير أن تتحول إلى أعمال سينمائية او درامية في التلفاز، هكذا هو يريد ولا احد يمكنه ان يغير رأيه، مات وبقيت أعماله الخالدة في القلوب والذاكرة الإنسانية قصصا وروايات تغور في العوالم السرية للكتب والمكتبات، زافون هو الوريث الشرعي لعظماء السرد في العالم، منذ سيرفانتس وديكنز إلى خورخي بورخيس، وهو لم يغادر أحدا من هؤلاء بل يتذكرهم حتى في قصصه كما كتب عن سيرفانتس وروايته دون كيخوته في نص قصصي طويل، حين كان بطله (شاعر في دوائر الجحيم) وهو هناك في القاع يحلم في كتابة نص سيخلد في ذاكرة الإنسانية، معظم أبطال قصصه القصيرة هم أبطال وشخصيات مروا في أحداث الرباعية وتركوا بصماتهم فيها، لهذا ليس غريبا ان تنتهي قصة (أمير بارناسوس) بجملة - مرحبا بك في مقبرة الكتب المنسية يا صديقي ثربانتس.. ونحن نقول مرحبا بك يا صديقي زافون في مكتبات العقول والقلوب التي لن تنساك.