علي حسن الفواز
الاحتفاء بعيد الصحافة العراقية لا يعني استعادة زمنية، ولا تأطيراً لتاريخ تجاوز المئة عام ونيّف فحسب، بقدر ما يعني مراجعة للمسؤولية، وللسياقات التي ينبغي أن تكون فيها فاعلة ومؤثرة، وقادرة على صناعة رأي عام حقيقي، وضاغط، وعلى نحوٍ يؤكد الفرضية القائلة بأن الصحافة "سلطة رابعة" لها نظامها ومؤسساتها وقوتها الرمزية في الرأي والموقف وفي النقد والرقابة.
الحديث عن الفاعلية الاعلامية، هو حديث عن مدى حيويتها في ابراز اهمية الخطاب الاعلامي، بوصفه خطابا للوعي، ولمسؤولية النقد، وفي أن يكون بمستوى مايمتلكه الخطاب السياسي من أثر، ومن جهد، إذ تتبدى اهمية الاعلام من خلال قوته الاستقصائية، ومن طاقته على استئناف الاسئلة التي يطرحها الجمهور، ويحتاجها الواقع للتغيير والتحول، ولاستشراف المستقبل.
لقد بات واضحا ونحن نحتفي بالذكرى الـ 152 لصدور جريدة "الزوراء" العراقية، أن ندرك حقيقة ماكرسه هذا التاريخ من أثر، وتراكم، ومن مجال عمومي أسهم في توطيد الاركان المهنية والمؤسسية للصحافة في العراق، مثلما ندرك حقيقة الاهتمام بمعايير العمل فيها، والالتزام بموضوعية في تعاطيها مع الأزمات، في سياق تفعيل قيم النقد، وتعظيم معاني حرية الرأي والتعبير، والدفاع عن الحقوق العامة والخاصة، أو في سياق صناعة الرأي والرأي الآخر، وهي معطيات مهمة تشكّل القاعدة الاساسية لـ"مهنة المتاعب" ومسؤولياتها الفاعلة في رصد المعلومة وفي صياغة الخبر، وفي الحفاظ على مصداقيته ومحتواه الانساني والاخلاقي والوطني.
لقد اسهمت الصحافة العراقية عبر عهدها الطويل في ان تكون منصات وطنية حقيقية، وان تكون مصدرا مهما للتعرف على الواقع، ولفضح الكثير من الانحرافات،و كل مايهدد العقل العراقي وهويته وتعايش مكوناته، وفي تكوين رؤى واراء تعززها المعرفة والمصداقية والواقعية، وتنمية الوعي الوطني بالقوانين واللوائح الاخلاقية. وهذا مايجعل الاحتفاء بيوم الصحافة العراقية جزءا من مسؤولية الحفاظ على مهنية العمل وموضوعيته، والسعي الى توسيع آفاقه على مستوى الجدّة والتطور المهني، أو على مستوى مقاربة الواقع العراقي والتفاعل مع معطياته واشكالاته واستحقاقاته، وعلى نحوٍ يجعله خطابا اعلاميا مهنيا، ورافدا وطنيا، ومصدرا مهما للحقيقة، وعنصرا فاعلا في التنمية الثقافية، فضلا عن كونه المنصة الحمائية للقيم الوطنية والسيادة والحقوق والدفاع عن قيمها في التعايش والسلام الاهلي ضد جميع مظاهر العنف والتكفير والكراهية.