ياسين النصير
تأملات متأخرة عن عفوية الحياة اليومية، فقد كانت القرية هي عالمي الكوني الذي أرى كل العالم ومايحدث فيه من خلالها، فإذا مطرت السماء، اعتقدت ان كل الأرض مبللة بالماء، وإذا حدث فيضان الفراتين اعتقدت ان كل العالم مغمور، وإذا أذن مؤذن القرية اعتقدت أن كل العالم سيقوم للصلاة، وهكذا عممت نظرتي لمأساة كربلاء من أنها مأساة العالم كله، حتى أن والدي رحمه الله كان يقول أنظر للسماء كيف غيمت وللطيور كيف سكنت، وحين انظر اجد السماء حتى لو كانت صافية أشعر أنها مغيمة، وحتى لو رأيت طيرا أشعر أنها بلا طيور، كل شيء يدخل في الحداد، هكذا يلقننا ملا القرية وقارئ التعازي ان العالم تتحكم به كربلاء وان الزائر للعتبات المقدسة سيدخل الجنة حتى لو كان محملا بالآثام.
هذا العالم القروي الصغير إذا ما وطنته أحاسيسك يصبح كونا واسعا، لايمكن احتواؤه بالرغم من انك تعرف تفاصيله وطرقاته وابعاده ومن يسكن فيه ومن ينتقل عنه، ليس العالم هو ما تطويه الاخبار عبر راديو القرية الصغير من احداث تسمعها ثم لا تعنيك بعد يوم، إن ما يجري في القرية استجابة او رفضا لاحداث العالم، هو استجابة لما يلقننا به كبار الرجال وسادتها، أن لاشيء غير مآسينا واحزاننا، ففيها ترى البعيد في القريب، وترى القريب في البعيد، وتطوي كل المسافات بأغاني القرية الحزينة ومآسيها الصغيرة وإذا بها تصبح نشيدا بموسيقى كونية، وانت بين هذه الهدهدة التي ترعاها الأم، وصبوات الأب وهو يقسم أن لا احد يستطيع ليَّ ذراع رجال الدين، تجد نفسك في عالم صنعته الوقائع الشعبية اليومية، وعليك ان تستجيب له، وان تؤمن به وإلّا أكلتك الزوايا.
لم أبقَ تحت هيمنة ما يحدث بالرغم من استجابتي الطوعية للاعتقاد بها، كنت متمردا بحدود أن لا أغضب أبي، وأنا الوحيد له، ويرعاني هو وأعمامي الاثنان رعاية الثلاثة للوحيد، فكنت مدللا من قبلهم وينتظرون بلوغ الحلم حتى يزوجونني، لذلك كانت تمرداتي مع زملائي الطلبة كثيرة، لم اعتد ان اكون شابا عاديا برغم الصمت الذي يلازمني، كنت أعرف ان الطرق الجانبية أكثر أمانا من الطريق المشترك مع الآخرين، ولذلك ابتدعت طرقي الخاصة كي أتجول بحريتي في مملكة القرية الصغيرة، حياة بسيطة لكنها أعطتني قوة المغايرة، ومرات كثيرة كنت أقاطع قارئ التعازي بعد ما ينتهي من قراءاته المكررة لقضايا القتل والسبي وبكاء زينب، فأقول له سيدنا أليس في قضية الحسين ما هو غير البكاء والقتل؟، كان والدي رحمه الله يستجيب أول الأمر لكن ما ان يلاحظ غضب قارئ التعازي على سؤالي حتى ينهرني ويخرجني من جلسة التعزية باكيا، لم أكن أدرك هذا إلا حين وجدت ان آرائي كان لها وقع مغاير لدى كبار السن، حين وقفت يوما وسط مضيفنا وانا اوزع االقهوة على الضيوف، قلت: إن الأرض تدور، ضحكوا مني وقال احدهم وهو صديقي الله يرحمه، إن باب بيتنا لم يتغير مكانه كما تدعي. وان الكرة الأرضية ثابتة ونحن الذين ندور، ومع موافقة الجميع على رأيه كان والدي يرمقني بنظرة إعجاب من أني استطيع الكلام أمام مجموعة كبيرة من كبار السن وصغارها. ومن وقتها بدأت أدير شؤون بيتنا، تلقيح النخيل وزراعة الشلب، والطماطة والرقي والخيار والباميا والقنب، ومن يومها بدأت أشعر أنني استطيع ان أقول كلمتين عندما تمر فتيات القرية.
رئيس الوزراء يصل إلى محافظة نينوى
طقس العراق.. أمطار وضباب بدءاً من الغد
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة