كاظم الحسن
الاحتكام الى صناديق الاقتراع هو الفيصل في تقرير ارادة الشعب لممثليه في الحكومة، وهو استحقاق معترف فيه من قبل دول العالم على جميع أطيافها ومشاربها ومنابعها الفكرية، بل اصبحت شرعية اي نظام سياسي في العالم تأتي من خلال الانتخابات، وهي جوهر الديمقراطية، مقرونة بالتنافس الحر ولا تمت بصلة
الى ما يسمى البيعة، التي ترتكز عليها الانظمة الشمولية، ولقد طوت هذه العملية الدستورية قرونا من التناحر والصراع والنزاع على السلطة، وما يضفي عليها من حيوية وتجديد ونضارة، هو تداول الحكم بين السلطة والمعارضة ويشكل سر ديمومتها وصلابتها وقدرتها على الاستمرار والمقاومة للطغيان والاستبداد بجميع اشكاله، مما يمنحها شيئا من العدالة والشفافية والمصداقية في ادارة دفة الحكم.
قد لا يروق للبعض هذا النوع من الحكم، الا انه اثبت انه الافضل للأمم بعد تجربته على نطاق واسع بعد الحرب العالمية الثانية.
اذ وجدت الدول، التي تحطمت من جراء الحروب، ان افضل وسيلة للقضاء على الحرب، هي الديقراطية لهذه الشعوب ومنها المانيا واليابان وغيرها من الدول التي ورثت دكتاتوريات الحروب ونزعات التوسع والهيمنة، وهذا لا يعفي دولا اوروبية وغربية من هذا التوجه، لكن في المحصلة النهائية، ان الدول الاوروبية الديمقراطية، لا تتحارب بينها، اذ يتطلب قرار الحرب، موافقات متعددة قبل الشروع فيها وهذا ما يحد من الانفلات والاستفراد بقرار الحرب، حيث توجد سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية وسلطة الرأي العام الذي عادة ما تكون فاعلة ومؤثرة في تعطيل القرارات الاحادية.
هذه التحولات الايجابية في العملية الانتخابية، قد افرغت الصراعات من محتواها وحولتها الى تنافس سياسي، من دون استخدام العنف والسلاح في الوصول الى السلطة، واصبحت البرامج الانتخابية، التي تمس حياة المواطنين هي المعيار الاساسي في اختيار الاكفأ والافضل والاحسن في ادارة شؤون المواطنين والدولة، وعلى ضوئه تظهر اهلية النظام السياسي ومدى قدرته على تحقيق مطالب الناس وحقوقهم وتوفير افضل الفرص، للناس من اجل حياة كريمة لائقة.
الديمقراطية بحاجة الى التأصيل والتجذير والتأسيس، قبل الانطلاق الى افاقها الرحبة، من غير ذلك تبقى ديكورا وظلالا باهتة لا تدفع المجتمع الى امام وتنهض به نحو الرقي والتطور، قد تحدث اخفاقات واخطاء في مسيرة هذا النظام المتقدم، إلا أنه في النتيجة يسير في السكة الصحيحة وان طال
الطريق.
فالكثير من الامم عانت من تداعيات هذا المسلك وارهاصاته وقد كتب لها النجاح، واصبحت في مصاف الدول الصناعية البارزة، ويكفي ان نشير الى النمور الاسيوية التي اصبحت تجارب هذه الدول محل فخر وتقدير واعتزاز من قبل
العالم.