ناجح المعموري
كان الاهتمام بجسد {شمخت} جزءا من توفير مستلزمات المهمة المقدسة التي يجب ان تتمكن من النجاح. ولذا كان الزي/ الموضة هو الكلي في المهمة الموفرة لها في الصحراء، وما صاحبها من مظاهر تجميل وتحضير أنثوية أخرى، لأن وظيفة المعبد بصفتها ليست جنسية، بل توفرها على تحضيرات انثوية تجعل من المهمة اللذية متعالية بنتائجها لتعطي لانكيدو اوسع فرصة بالاتصال {اللذي} معها وانجاح دور الادوات التزيينية الخاصة بالتجميل. وعلى الرغم من ان نص الملحمة ذكوري، لكننا لا يمكن تجاهل دور الكاهنة ذات الخبرة والمعرفة المتميزة وظهورها بمثل تلك الصورة وتنوعاتها، احتفت نوعاً جوهرياً لعلاقة الجسد مع الجماعة ودخول الجسد في فضاء الخارج والذهاب نحو الداخل/ المنى اللذائذي الذي اعاد التجوهر للجسد المقدس، واعتقد بأن المرحلة الحضارية والدينية التي عاشتها أوروك آنذاك وقد أضفت نوعاً من العناية بجسد الانثى اعلاناً عن الدور الديني. كوظيفة مركزية للجسد. لذا لا نستطيع فصل الزي ومكملاته التجميلة.
قالت د.سامية قدوري في كتابها الجسد بين الحداثة وما بعد الحداثة: لا يعد الجسد تعبيراً وجد ذاته وما هو تعبير عن علاقة سيكون احد طرفيها الانسان وتتم العلاقة بين الانسان وجسده عبر سياق اجتماعي ثقافي وسياسي يمثل الزي احد جوانبها إذ انه وفي اطار السياق الاجتماعي يمثل الجسد للتعبير عن الذات، إذ يعزون اهمية قصوى لمظهره وافعاله المادية التي تعد الملابس احداهما كما ذهب هيغل هي التي يصبح فيها المحسوس (الجسد) دالاً ومن ثم حاملاً لعلامات خاصة، لذا ضربت الامثال تاريخياً في العلاقة بين الجسد والملبس في مثل يوناني «في الملبس يضع الانسان» وفي وطني اعرف باسمي وفي الخارج اعرف بملبسي. من نعرفه ننظر الى فضائله ومن لا نعرفه ننظر الى ملابسه او ليس الراهي بثيابه، من ساء ملبسه ساءت سمعته؛ لذا فان الازياء تعد الملبس الثاني للجسد ومن ثم ارتبط وجود الملابس بوجود الانسان، واصبح الانسان يتكون من جسده وروحه وملابسه، لذا فهو يملكها ويتوحد معها حتى تعبر عن شخصية الملبسية وتحدد هويته.
كما أكدت ذلك سامية قدوري، يعرض علينا لا لكي نشاهده فقط، بل لكي نقرؤه، اذ ينقل الينا افكارا ومشاعر ورسائل. وكشفت لنا ملحمة جلجامش بوضوح تام الثقافة الجنسية دينياً وشعبياً وهي الوظيفة الممنوحة للملك جلجامش لحيازته عنصرين مقدسين منحته وظيفة مقدسة لمزاولة تقديس العروس والعذارى ليست بسبب ديني وسياسي وانما صفته البطولية. وهذه الخاصية تذكرنا بالإله المصري (مين) الذي يغتصب الاناث والعذارى ويمارس الاخصاب مع والدته.
ويومية الجنس بوصفه طقساً جعل المرأة منذورة دينياً ضمن طقوس المعبد واتسع التعامل مع النساء المعبديات ممارسات لوظيفية تقترب من الصفة العامة للجنس شمخت عند دخولهما الى اوروك. واعتقد بأن بدايات الفعل الملكي في بدايته نوعاً من الامتلاك والاغتصاب، ومن ثم صار طقساً دينياً كرسته الألواح، والنحت، والأختام. وهذه الآليات هي التي منحت منفذاً لكل ديانات الشرق وتمكنت من التمثيلات الخاصة بالانثى العارية وديمومة العلاقة داخل المعبد، تضيف طابعاً دينياً مما سهل على فعل الجنس المقدس الى التعامل مع الجسد بوصفه سلطة استهلاكية على الرغم من طقسية الملاحظة التي لم استطع تجاوزها هي ان الطقس تحكم بالجسد الانثوي وزوال سلطته الاخضاعية، لكنه لم يشجع ولو شكلياً الدعوة الى تحرير الجسد من معروضات الثقافة الشعبية بوصفها امتداداً للطقسية.
كرست ملحمة جلجامش التمثيل الادبي للاتصال الدبري وهو معروف وضمت الذاكرة الصورية كثيراً من التصاوير والمنحوتات والاختام عن الادخال الدبري للمرأة، وتومئ هذه الاعمال الفنية للعلاقة المثلية في غرف المعبد.
واعتقد بأن مضاجعة المرأة من دبرها، متأتية من التحفيزات التي تراكمت بسبب الاتصال، والاشارة المتكررة عن هذا الاتصال، كما في ملحمة جلجامش تعبر عن حق الذكورة في اختيار أي الاتصال، وخصوصاً بعد ان تعرف انكيدو الى شمخت التي لها وظيفة جوهرية. ووافقت عن الابلاغ عن المقدس الممنوح لها من السلطة
الكهنوتية.
ادرك المذكر ممكنات توفر انواع من الرغبة وتحقق اللذة عبر الدبر. اعتقد ان انكيدو زاول مع الكاهنة الرغبات ادخالاً، لم يعرفه من قبل، لكنه رأه حسياً لحظة نظام ابوي، استهوى/ الانثى، شمخت وكان انكيدو فاعلاً، مهماً باداء دوره الذكوري؛ ولذلك دور مؤثر وسط مدينة اوروك وفي المعبد لممارسة الادخال.
اعتقد بأن الملك جلجامش، لم يكن مغايره للطقس التقليدي، السائد والمألوف. والاتصال بنوعيه يمثل احتفالاً دينياً، وهو ما تمظهر قوياً وبحضور مركزي كشف عنه نص الملحمة.
***
مبدع الرسوم الجمعية التي نشرنا القليل منها، كاشفة عن رجل، ركز عليه الرسام باهتمام عن تفاصيل جسده واجزاء منه، كاشفة عن قوة كتفيه ويديه وفخذيه، وحركته الفاعلة بالمدورات المثيرة، متشاركاً مع النساء الراقصات ضمن طقسي ديني.
رأى الرسام المرأة بعينيه وكان اتساع التشارك ضمن الرسوم الجمعية ينطوي على كشف للمرأة بوصفها جسداً ضمن الثقافة الشعبية السائدة.
اتضح لي وانا اتابع رسوم الجسد الانثوي، ان المرأة موزعة الحضور بين كونها ضحية منتظرة للفعل الذكوري، وبين القبول بالتبادل، وبث رسائل الحب وشفرات التحضير للجسد، يعبر الموقف الذكوري مع الانثى عن ثقافة مجتمعية، تتمتع بسيادة ذات سلطة مبطنة بهوس بصري، يعلن عن لذة
فوارة.
وتوصل اكثر من باحث في تاريخ الفن القديم للتمثيلات الخاصة بالمرأة بوصفها المعاينة من قبل الفحل، ويظل متعلقاً بها كما قالت د.سامية قدوري.
انها النظرة الذكورية الايجابية كما يعتقد الفحل، وذلك من خلال متعة النظرة الشهوانية، اي التلذذ بالنظر.
اللذة والشبق قاسيان لا تستطيع الانثى مقاومة ضغطهما، لذا كثيراً ما كشفت الأساطير السومرية والبابلية نصوصاً عن انهيار الأنثى وحتى الإلهة، وأعني بذلك الإلهة المعروفة أنانا/ عشتار، وأكثر الدلائل على ذلك كاهنات المعبد وهن يزاولن طقس الجنس، لأنهن يقمن بذلك تنفيذاً لما توصي به عشتار ولعل أسطورة شوكاليتودا أكثر النصوص التي خضعت فيها الإلهة أنانا/ عشتار للاخضاع، لكن متعتها مارست نوعاً من التمويه، ولم يحصل ذلك في أسطورة مماثلة من قبل وكأن الإلهة أنانا/ عشتار لم تكن أساطيرها مكتفية بما تريد، فذهبت الى وهم التعب والإعياء عندما لحظت في السماء بستان الإله أنكي، وما يتمتع به الفلاح شوكالتيدا من قوة وصبر وتنوعات مهارات زراعية جعلت من البستان فردوساً. وحفز بنظر البستان ورؤية الفلاح القوي الذي حاز على طاقة فحولية من الإله أنكي، فهبطت الى البستان فاغتصبها الفلاح وهي مسلحة بحزامها السحري الصياني لحماية جسدها. لكنها استسلمت له واكتشفت ما لم تعرفه من قبل أثناء ذلك. وتمظهر ذلك على غضبها وتهديدها لتدمير المدن بسبب ما حصل انتهاكاً لجسدها وقدسيته (للاطلاع اكثر: قراءة ناجح المعموري).
ولان الإلهة انانا/ عشتار الانموذج المقدس الرفيع في منح الاخر جسدها وتكشف له عما مختزن به من لذائذ، وديمومة الادخال، ولانها الهة مقدسة تظل شهوتها متصاعدة وتعيش اكثر مما هو متعارف عليه لان الالهي واحدي/ مختلف عن الجميع لا يتماثل معه. ومثلما قال فريد الدين الزاهي: يرتبط الخيال بالكثرة والحقيقة بالواحد، وذلكم دليل لكي يتمرأى الكثير في الكثير والواحد في الكثير من جهة ولتغدو المعرفة تبعاً لذلك لا يتم الا بتأويل اي برد الكثرة الى مالها، اي الى الوحدة. بالامكان معرفة الجسد المقدس/ العشتاري وتحوله الى مرآة استجابت الوهات الشرق الانثوية لها وتمرأت فيها. وافضل ما يمكن الاعتماد عليه لمعرفة المختزن للطاقات اللذية في الجسد العشتاري غير المعطل، هي الرسوم والاختام والنحوت وشيوع رموزها المتعددة، لتسجل هوسها اللذي من خلال ذلك وتبدّيات شهواتها والسحر المانحة له للاخر مع فيوض الجسد الالهي المقدس الذي لا يكل ابداً ولا يتعطل، بمعنى انه شبكة رغبات وتوترات غير متناهية. والمخزون غير المعروف يفيض تدفقاً ويطوف على الاخر، فضلا عن جماليات الزي المتوجه للالهة وتجميلاتها وقلائدها وعطورها التي يشمها حتى الذي يرى صورتها مدججة بالسلاح.
يأخذنا التأويل للمعرفة كما قال ابن عربي، واوكد بأن وظيفة عشتار الحربية تعبير عن تأثيرات التطور الموضوعي للمدن والممالك والتوجه نحو التكون الامبراطوري، إذ كانت وظيفتها الحربية، وقسوتها احد ضرورات وجود الاستعداد للتدمير. لكني انحرف قليلا، مستفيداً من أسلحتها الحقيقية والرمزية. المتعايشة معها باستمرار، تتحول الاسلحة الى فواعل ذكرية تمارسها لحظة
ما تريد.
رئيس الوزراء يصل إلى محافظة نينوى
طقس العراق.. أمطار وضباب بدءاً من الغد
الكهرباء: خطة من أربعة محاور لدعم قطاع التوزيع
الأنواء الجوية تعلن كمية الأمطار المسجلة خلال 12 ساعة