علي حسن الفواز
خيار العنف العسكري الاسرائيلي يكشف عن حجم الرعب الذي يختبئ خلف الايديولوجيا، فالحرب العلنية على القدس وعلى غزة هي حرب ايديولوجية في جوهرها، لأنها تقوم على فكرة السيطرة والمحو والقتل الواقعي والرمزي، وعلى تشويه جميع المفاهيم التي تتعلق بالمكان
والتاريخ والمقدس.
فما حدث في منطقة “شيخ جراح” في القدس الشرقية يطلق العنان لتحقيق فكرة” تهويد القدس” وفرضها أمرا واقعا في التداول السياسي، وفي ترتيب جغرافيا المدينة عند أي تفاوض مستقبلي مع الجانب الفلسطيني، وبالتالي سيكون الحديث عن تسمية “القدس الشرقية” عاصمة للدولة الفلسطينية محض اجراء غير واقعي، لأن الفلسطينيين في القدس سيكونون اقلية وسط سيطرة يهودية على المدينة، وعلى توصيفها الجغرافي والسياسي والتاريخي.
كما أن قيام اسرائيل بعدوان عسكري على قطاع غزة يؤكد طبيعة السياسة الاجرامية للدولة العبرية، ومواقفها الايديولوجية والسياسية إزاء اي خيار للحديث عن حلول لمعالجة القضية الفلسطينية، وللانسحاب من الاراضي المحتلة، وحتى الخضوع للقرارات الدولية ذات الصلة، والتي تؤكد على جملة من المواقف، ومن ابرزها حل الدولتين في حدود 1967، فضلا عن احترام حقوق الشعوب في تقرير المصير، وفي نبذ العنف والحرب والطرد ومنع عودة اللاجئين
الى اراضيهم.
إن ما يجري في غزة الان من عدوان وقصف بالطائرات يعكس مدى العنجهية الاسرائيلية، مقابل ضعف الارادة الدولية، وعدم قدرة مجلس الأمن على استصدار اي قرار يلزم الاسرائيليين بايقاف العدوان فورا، والتعاطي مع الموضوع الفلسطيني على وفق ما ورد في المواثيق الدولية، ومنها مايتعلق بحقوق الانسان، لأن اغلب ضحايا هذا العدوان كانوا من المدنيين ومن النساء والاطفال كما تقول وزارة الصحة الفلسطينية.
الجنبة السياسية في هذا العدوان ليست بعيدة، فتوقيته يتزامن مع الحديث عن موعد جديد للانتخابات الفلسطينية، والتي تحظى برعاية اوروبية كبيرة، إذ إن اجراء الانتخابات في القدس الشرقية يعني تعطيل الرهان الاسرائيلي في السيطرة الكاملة على القدس، وبطلان الحديث عن “يهوديتها” لاسيما بعد ما حصلت عليه من دعم اميركي جراء قرار الرئيس السابق ترامب بنقل السفارة الاميركية الى القدس، وهو موقف يعكس مدى التنسيق بين الولايات المتحدة واسرائيل في فرض سياسة الامر الواقع، وفي دعم السياسات الاستيطانية في القدس، والتغاضي عن جرائم المستوطنين الذين اقتحموا باحات المسجد الاقصى، فضلا عن السكوت على حرب غزة وعلى الجرائم التي ترتكبها العسكرة الاسرائيلية من دون رادع دولي.