د. نازك بدير*
ثمّة سؤال يُطرَح باستمرار: من أجل ماذا يعيش النّاس، وفي سبيل ماذا يموتون؟، مهما تعدّدت جنسيّات الأفراد، وتباعدت الأزمنة، وتنوّعت التّجارب، يبدو أنّ ثمّة رابطًا مشتركًا يجمع بين أبناء آدم. يبحث الإنسان عن معنى لحياته، سواء أكان في سجون الاعتقال، أو قاضيًا، أو مزارعًا في الحقل، أو بائعًا لتحف نادرة، أو رئيس مخفر، أو حارسًا، أو عامل نظافة، أو طبيبًا. هؤلاء جميعهم، في خلال رحلة الحياة، يبحثون عن هدف ما يجعلهم يستمرّون في المواجهة على الرّغم من انسداد الأفق. لعلّها غريزة البقاء هي التي تدفع المرء إلى ابتكار طريقة ما ليستمرّ في استثمار فرصة مُنِحَتْ له مرّة واحدة. نراه يتخبّط أمام تعنُّت السلطة، وعدم تطبيق القوانين، وانعدام العدالة الاجتماعية …
وهذا الأمر ليس جديدًا، فالإنسان، منذ وجوده على هذه المعمورة، وهو يكافح في سبيل البقاء، ويصارع من أجل الاستمرار، حتى لو تطلّب ذلك الطّعن بأخيه كما فعل قابيل مع هابيل.
هاجس الخلود لم يفارق ابن آدم؛ لقد كرّسه "جلجامش" في ملحمته، وبقي يتناسل في الجينات من جيل إلى جيل، ليتّخذ في ما بعد مع تقدّم الزمن تمظهرات متعدّدة، وأشكالًا مختلفة. فصار الإنسان، نتيجة هذا الهاجس، مستعدًّا أن يمحو كلّ مَن حوله كي يضمن بقاءه هو، ساعيًا بدافع غريزة البقاء إلى الدّفاع عن نفسه ووجوده أمام عوامل التّهديد التي تحيط به من كلّ جانب، مهما كانت طبيعتها، ماديّة أم معنويّة، إلى أن فقد الوجود معناه الحقيقي، فلم يعد لما يبحث عنه وما يسعى إليه من قيمة، كلّه هباء، في هذا العالم الماديّ حيث لا أهميّة للإنسانيّة، ولا وزن للأخلاق، إنّما السيطرة هي للقوّة وللمادّة التي تحاول جاهدةً إلغاء أيّ محاولة لإعادة المكانة لجوهر الإنسان.
يوما بعد يوم، يزداد التصحّر المعنوي، ويترتب على ذلك كلّه تبعات جمّة على حياة الأفراد وتصرّفاتهم على المستوى الشخصي، وكذلك على المستوى العامّ.
هذا الخلل لم يعد خافيا على أحد، إذ إن علاماته تَسِمُ طبائع الشبّان والكهول على حدّ سواء،
ما يتطلّب إعادة النّظر في معنى الحياة، والغاية من الوجود.
أكاديميّة لبنانيّة