ناجح المعموري
الحديث عن زمانية الأسطورة قليل التداول وحضوره نادر في الدراسات البحثية والنقدية، لهذا المصطلح حديث اخترق الدراسات البحثية والميثولوجية التي أنجزها الآخر وتعامل مع الأسطورة بوصفها ذات زمان ومكان مطلق، وألمح ليفي شتراوس لذلك في بدايات اشتغاله، لكن الدرس الجديد والمناهج الحديثة، استطاعت بعض جوانبها وتحديداً ما قدمه رولان بارت في كتابه المهم "الأسطورة اليوم" وبعض الاشارات الجوهرية التي سجلها شتراوس. تبدو ملاحظات بارت واضحة عن تحديدات الأسطورة بالزمن غير الطويل مثلما اشار لذلك حمادي المسعودي في كتابه "متخيل النصوص المقدسة في التراث العربي الاسلامي"، وقال بأن الزمن محدد وقصير، ومثلما اشار الطبري الى ازمنة قصيرة في الخلق، اما الزمان فهو التاريخ الطويل والسرديات الكبرى.
أما ليفي شتراوس فألمح بأن "الأسطورة تشير الى وقائع حدثت منذ زمن بعيد وما يغطي الأسطورة قيمتها العلمية هو ان النمط الذي يضعه غير ذي زمن محدد. انها الماضي والحاضر والمستقبل وتتضمن الاسطورة على زمن قابل الاعادة، كذلك الزمن غير قابل للاعادة ولغتها لها خصائص التزامن والتتابع التي اكدها دي سوسير/ كلود ليفي شتراوس/ الاسطورة والمعنى/ ت: د.شاكر عبد الحميد/ بغداد/ وزارة الثقافة/ 1986/ ص5.أما العالم يونغ فقد قسم الابداع الى نوعين: الاول سايكولوجي وهو الذي يعالج مواد مستمدة من مجال الشعور الانساني مثل دروس الحياة والصدمات العاطفية وتجارب الحب، أما الثاني: فيسميه الابداع الكشفي والتجربة فيه ازلية تفوق قدرة البشر على الفهم/ عبد الفتاح محمد احمد/ النهج الاسطوري في تفسير الشعر الجاهلي/ بيروت/ دار المناهل/ 1987/ ص18. ومعروف بأن الاسطورة هي المجال الحيوي، الذي يغذي الانسان ويمنحه فرصة عظيمة لتنمية اللاشعور الجمعي ويتراكم ويكرس مخزونه، ولهذه الخصائص مميزات تنفرد بها الاسطورة وما تغذي اللاسطورة فانها وحسب مفاهيم يونغ، تمتلك طاقة حيوية على التقشر وانبعاث جديد يجعلها متطورة. حتى قال يونغ بانها قادرة على ولادة نفسها كل ساعة، بل كل لحظة.ومثلما ليفي شتراوس لا يكمن جوهر الاسطورة في تنشيطها عند مستوى مرتفع بشكل خاص بحيث تتابع المعاني بشكل الخلقة اللغوية لها في حالة حركة دائمة وبهذا تزود الانسان بصورة عن العالم الذي يعيش منه، ونماذج منطقية تكون قادرة على قهر التناقضات التي يواجهها الانسان في الواقع/ ليفي شتراوس/ ن. م/ ص6.
ومن الضروري التذكير بأن الزمن الاسطوري دائري ومتكرر ومبني على تتابعية زمنية اجبارية والاحداث منه معللة نسبياً، لكنها مرتبطة بالعنصر المأساوي وتنتهي اليه، على انه يمكن للزمن الاسطوري ان يتحول الى زمن تاريخي/ زياد جلال "الى السيمياء في المسرح"/ عمان/ وزارة الثقافة 1991/ ص79.فقد كشفت الدراسات الانثربولوجية والاتنولوجية الحديثة عن علاقات عميقة بين الاسطورة والتاريخ، فليست الاسطورة إلا المراحل للمعرفة التاريخية، وليس التاريخ الا التطور المعرفي الموضوعي للاسطورة/ محمود امين العالم/ اربعون عاماً من النقد التطبيقي/ القاهرة/ دار المستقبل العربي/ 1994/ ص15.تبلور لي رأي عن الالية التي استطيع من خلالها تحديد تاريخ الاسطورة، وذلك عبر النظام المهيمن عليها والعناصر المساهمة بتكوينها وصياغتها وصعود الجدل الثقافي والديني وبروز نتائج الصراع، ولعل اهم هذه المهيمنات اسماء الالهة وتمركزات الوحدات الثقافية وتصاعد اللاهوت الديني. ولكن لا بد لي من التأكيد على ان التاريخ لا يحدد بشكل دقيق، بل يلوح شفافاً ودليلي على ذلك الصراع العنيف الحاصل بين ملحمة جلجامش وملحمة الخليقة وانكشاف المرحلة التقريبية.للزمن وجود في عالم الاسطورة التي تعكس الانماط الدورية لامكانات الوجود الانساني الثابتة، لكن الاسطورة كنسق لا زماني بمقدورها ايضا ان تؤدي وظيفة اخرى، فقد تكون رمزاً لتشكل نموذجي من الشخصية، بل عن توحد مع الجنس البشري عموماً. وقد تنقل الاساطير حساً بالاستمرار الزمني الى ذات الانسان، ولعل هذا ما يضفي اليها سمة العظمة رغم العناصر اللاعقلانية والمأساوية التي تحويها وتعبر عنها / هانزمير هوف / الزمن في الادب / ص91. الزمن الذي يومئ للمجال/ الحقيقي، الرياضي، هو العام/ احمد حمد النعيمي/ ايقاع الزمن في الرواية العربية المعاصرة/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت / 2004 / ص71.
للمكان وظيفة في الاسطورة تومئ لمجال حدوث الصراع بين الانسان/ والمقدس، الالهة والملوك والمكان قادر على احتواء تنوعات الجدل، الصراع. لكن في النصوص الاسطورية الموسعة، فانها تنحرف عن مركز المكان وتمتد نحو آخر متعدد، ولتنوعات الامكنة انعكاسات معلومة. لي ملاحظة بشأن قراء الاسطورة القلائل وفي ذلك فقر ثقافي ويتمظهر هذا في الملاك التدريسي الجامعي باستثناء بعض الاسماء القليلة جداً. والاستاذ الخائف من الاسطورة، يطردها في قاعة الدرس وحتماً سيكون الطالب مثيلاً لاستاذه، واستمرار مثل هذه الظاهرة يعني تغييب الميثولوجية. وارى بأن العلوم الانسانية لها دور جوهري. ولاحظ المتلقي زوغاني عن نمطية السؤال للحوار، واخترت قصدياً ما اعتنيت به منذ عدة عقود. والمتابع للوسط الثقافي يواجه مقالات قصيرة وتقليدية تنشر في الصحافة الثقافية واسماء معروفة جداً ترتكب هفوات في الاراء والمفاهيم ودائماً ما يلاحظ السطو؟.
ودائماً ما يواجه بعض الشجعان من الاساتذة صعوبة في دراسة مشروعي الثقافي وهذا كاف لتأشير ما يحصل في الدرس الجامعي، مضافاً الى انني اجد في احيان قراءً للاسطورة او الانثربولوجيا.
سأختتم اجابتي وتشاركني في هذا الملف المهم واختصر قائلاً بأن الاسطورة سردية خاصة بالالهة، ذات اهتمام بالمقدس وتراقب الصراع الدائر بين الالهة والالوهات في زمن بدئي يدخل ضمن صراعات ملوك وانصاف آلهة. وما يعكس في النصوص الشهيرة لنا انعكاسا للحظة عتبة ابتداء الثقافة والدين لانها زمن مبكر معلن عن الحياة التي تدب متحركة من خلال اساطيرها التي لا تتعطل، لانها مقترنة بالجماعة ومرجعها المزدوج ولا يجوز في الان نفسه اغفال هذا المرجع. وكرس د.محمد عجينة اهتمامه الاكاديمي وقدم كتاباً مهماً للغاية، كاشفا عن عمق ثقافته ودقة فحص للاسطورة وتبدياته لرموزها، معتمداً وبذكاء واضح على اثنين من ابرز المفكرين في الميثولوجيا وهما مارسيا الياد، وريكور، ونهل في فكر كاسيرر، ووظف توصلات علماء النفس، واشار احد الباحثين الى عمق ما توصل اليه د.محمد عجينة من مفاهيم ملفتة للانتباه، متجاوزاً مظهرها السردي الى مستوى يؤدي اليه تحليل عناصرها ودرس الوحدات الاسطورية وعلاقات التقابل او التماثل التي تكون بينها بحسب مختلف الشفرات وتوزيعها في جدولين افقي وعمودي للوصول الى بنية الاسطورة التي تؤدي تحولها الى رواية اخرى كما قال الاستاذ سهام الدبابي السيساوي.